تضطلع الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان بدورٍ أساسي في تنظيم عملية توفير الخدمات العامة على المستويَين المركزي والمحلّي. فقد أصبحت الانتماءات السياسية للبلديات واتّحادات البلديات، من العوامل الرئيسية التي تُحدّد عادةً كيفية إدارة السلطات المحلية. ولكنّ هذا الموجز يُظهر أنّ تأثير الانتماءات السياسية يتوقّف عند حدٍّ مهم من نواحي شفافية البلديات ألا وهي مدى استعداد البلديات واتّحادات البلديات على تزويد الرأي العام بالمعلومات.

ومن أجل اختبار [استعدادها]، اخترنا في البداية 1002 بلدية، من ضمنها 414 بلدية ترأسها الأحزاب السياسية الأساسية و588 بلديةً لا ترأسها الأحزاب، بالإضافة إلى 60 اتحادَ بلديات، يدير 36 منها رئيسٌ ينتمي إلى حزبٍ سياسي أو رئيس مُقرّب من حزبٍ سياسي. ومن ثمّ استفدنا من ¹ مؤشر الشفافية المؤسسية (ITI) الذي يحدّد مدى امتثال البلديات بلوائح التفتيش المركزي لمشاركة المعلومات مع الرأي العام. ويعتمد المؤشر هذا على بيانات منصة IMPACT التي تُعتبر أداة مفتوحة المصدر، حيث يطالب التفتيش المركزي البلديات بنشر كل المسائل المتعلّقة بالحوكمة على هذه المنصة، بغية توفير مقياسٍ للشفافية، وذلك عبر تتبّع الاهتمام الذي توليه البلديات والاتحادات لكل موضوع، ومدى تكرار التفاعل مع الموضوع وشمولية البيانات.

يهدف تحليلنا إلى تحديد تأثير انتماءات البلديات واتحادات البلديات السياسية على شفافيتها. فننشر التحليلات الإحصائية مع مراعاة عوامل مؤثّرة أخرى، على غرار مستوى التنمية الذي حققته البلديات واتحادات البلديات وحجمها وثروته، نظرًا إلى أنّ ذلك قد يعزّز قدرتها على توزيع الموظّفين وجمع المعلومات والاستجابة لطلبات المواطنين أو يعرقل ذلك. ونقوم بشكل عامٍ بإجراء أربعة تحليلات، يرتبط كلٌ منها بمدى تأثير انتماءات البلديات واتحادات البلديات السياسية على الشفافية.

توصّلنا إلى نتائج مشجّعة، فقد اتّضح أنّ الاتّسام بالشفافية ليس مسألة سياسية، إذ تتحلّى البلديات التي تديرها الأحزاب بالقدر نفسه من الشفافية الذي نجده لدى البلديات المستقلة أو البلديات التي تديرها العائلات. ويظهر تحليل بيانات كل حزبٍ على حدة أنّ ليس هناك من بلدية يرأسها حزب سياسي، باستثناء تلك التي يديرها حزب الله، تتمتع إحصائيًا بدرجة شفافية أقل من البلديات المستقلة أو تلك التي تديرها العائلات؛ بل إنّ البلديات التي يديرها حزب المردة تتّسم بدرجة شفافية أكبر بكثير من البلديات التي تديرها العائلات. ويمكن أن يُعزى التباين البسيط في درجات الشفافية إلى [ما يُعرف] بتأثير الشبكة نظرًا إلى قرب البلديات من بعضها وولائها السياسي المشترك²

ونحصل على النتائج نفسها عندما نعاين انتماءات اتحادات البلديات السياسية. فلا يبدو أن درجة شفافية الاتحادات، باستثناء الاتحادات التي يديرها حزب أمل، تتأثّر بانتماء رئيس الاتحاد السياسي أو بالولاءات السياسية المتعدّدة ضمن الاتحاد نفسه. 

وتظهر نتائجنا أنّ الشفافية يمكن أن تستحيل وسيلةً واعدةً لتعزيز الحوكمة المحلية؛ فالأحزاب السياسية، التي قد يستدعي تحقيق مصالحها الخاصة ضمان الشفافية أو الاعتراض على ذلك، لا تلعب إلا دورًا ثانويًا في مسألة الشفافية. ويبدو أنّ تأثير الشبكة يتمتّع بأثرٍ أكبر على الطريقة التي تقدّم بها البلديات المعلومات إذ تتناقش البلديات المتجاورة مع بعضها بشأن كيفية استخدام الأداة هذه³. وبالتالي إنّ التشجيع على التحلّي بالشفافية والتعويل على انتشار ثقافة الشفافية داخل الإدارات العامة يمكن أن يشكّلا الخطوة الأولى نحو تعزيز الحوكمة واستعادة ثقة الناس في الدولة أو بالأحرى ينبغي عليهما ذلك.