The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
03.28.24

لماذا انهار «تكتّل نواب التغيير» في البرلمان اللبناني؟

نديم القاق

انضمّ ثلاثة عشر مرشحاً من مرشحي «تكتل التغيير»1 إلى البرلمان اللبناني بعد فوزهم في الانتخابات النيابية التي عُقدت في أيار 2022، على الرغم من الانقسام الذي شهدته المعارضة في الفترة التي سبقت التصويت. وقد أراد بعض مرشحي المعارضة بناءَ جبهة موحّدة لتلبية المطالب العامة، في حين زعم آخرون أنه، وفي ظل غياب التوافق على البرامج والاستراتيجيات المخطط لها، لن يتمكّن التحالف من الصمود. وانحاز معظم مرشحي المعارضة إلى النهج الأول، بحجة أن الناخبين يريدون لوائح موحدة ويجب تلبية مطالبهم للفوز بعدد أكبر من المقاعد. ورغم أن هذا القرار ساعد على انتخاب ثلاثة عشر نائباً في البرلمان، سرعان ما أصبحت الانقسامات في صفوف حركة المعارضة البرلمانية الناشئة حديثاً واضحةً للعيان خلال الجلسة البرلمانية الأولى. وعليه، يستعرض هذا المقال اللحظات الحرجة ووجهات النظر المتباينة بين نواب المعارضة، وتحديداً تلك التي رسمت معالمَ مسيرتهم السياسية وأدت إلى انهيار «تكتل نواب التغيير» في نهاية المطاف.

خضعت وحدة نواب المعارضة للاختبار في مرحلة مبكرة، وتحديداً أثناء انتخاب نائب رئيس البرلمان. ففي تلك الجلسة التي عُقدَت في 31 أيار 2022، صوّت جميع «نواب التغيير» الثلاثة عشر لصالح غسان سكاف. وقد كان سكاف مدعوماً من جميع أحزاب تحالف «14 آذار»، فحصل على 60 من أصل 128 صوتاً، وخسر بفارق ضئيل أمام الياس بو صعب عضو التيار الوطني الحر ومرشح «8 آذار». وتعرّض «نواب التغيير» لانتقادات شديدة بسبب هذا القرار، حيث بدا وكأن تحالف قوى «14 آذار» قد نجح في استمالتهم إليه في مرحلة مبكرة من ولايتهم البرلمانية. وتبيّن لاحقاً أن «تكتل نواب التغيير» نظّم عملية تصويت داخلية قُبيل الجلسة، لتحديد المرشح الذي سيصوّت له. وقد صوّت سبعة نواب من التكتل لصالح سكاف، ما أجبر الستة الباقين على التنازل أو المخاطرة. وبالتالي، ظهر للعيان أن التكتل غير موحّد في الواقع.2

بعد اتخاذ القرار بالتصويت لسكاف بشكل جماعي، تبيّن وكأن التكتل قد بادر إلى هذه المحاولة الأولية للظهور بمظهر موحّد في البرلمان. لكنّه عاد ليواجه الانقسامات الداخلية، بعد مرور شهر واحد على ولايته النيابية، حول تعيين رئيس الوزراء. فبعض نواب التكتل دعموا الدبلوماسي نواف سلام، في حين عارض ثلاثة آخرين هذا الخيار وفقاً لما صرّح به النائب مارك ضو.

وصلت المشاكل إلى نقطة اللاعودة مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في تشرين الأول 2022، وإطلاق «نواب التغيير» لمبادرة مشتركة تهدف لانتخاب رئيس جديد. وبحسب العديد من النواب، فقد افتقرت المبادرة إلى التنظيم والتوجيه الواضح. كما رفض بعض «نواب التغيير» التصويت لمرشحي أحزاب المنظومة. ففي البداية، تركّزت هذه الخلافات حول رفض البعض منهم التصويت لميشال معوض وصلاح حنين. وأصبحت الانقسامات أكثر وضوحاً عندما صوّت أيضاً النواب حليمة قعقور، والياس جراده، وسينتيا زرازير لصالح عصام خليفة بدلاً من جهاد أزعور، في خطوة أظهرت الشرخ بين النهجَين السياسيَين العملي والمبدئي. وقد أوضحت يعقوبيان العوامل التي دفعت بمعظم «نواب التغيير» للتصويت لصالح أزعور قائلةً:

«عندما صوتنا لأزعور إلى جانب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وغيرهم، كان ذلك للوقوف في وجه مرشح حزب الله وحركة أمل. فقد اعتبرنا أن التصويت لأي مرشح آخر سيعزّز موقف حزب الله، الذي أراد أن يبيّن كما لو أن سليمان فرنجية هو الخيار الواقعي الوحيد… إن مسؤوليات النائب تختلف عن مسؤوليات الناشطين الذين يناضلون في الشوارع – عليك أن تختار أهون الشرين عندما يكون هناك مرشحان شرعيان اثنان فقط.» (مقابلة مبادرة سياسات الغد مع بولا يعقوبيان، تشرين الأول 2023)

وشدّدت قعقور، التي كان لها رأي آخر في هذا الشأن، على أهمية إدارة التوقعات من خلال الاعتراف ب أن تصويت «التكتل» لصالح أزعور لم يكن ليحدث فرقاً، حيث لا يحظى أي تحالف بالغالبية البرلمانية. وأوضحت ما يلي:

«كان هناك اختلاف في النُهج المتّبعة فانقسمت بين «البراغماتية الواقعية» وبين مسار أصعب باعتراف الجميع يحاول تقديم نهج جديد وثوري داخل البرلمان. هدفي هو الثورة على منطق «البراغماتية» و«الواقعية» - أعلم أن النظام قوي للغاية لكنني لست هنا لأُجاري الواقع الذي أرساه النظام. ولهذا السبب، سأتبع نهجاً مختلفاً في تسمية رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية. أنا هنا لأعترض على الواقع من خلال اعتماد نهج جديد، وليس لدي أي مشكلة إذا لم ألتقِ في ذلك سوى مع نائبين أو ثلاثة نواب آخرين. إذا كان بوسعي أن أتبع نهجاً براغماتياً وألتزم في الوقت عينه بمبادئي، سيكون أمراً رائعاً. لكنني لن أشارك في لعبة المنظومة.» (مقابلة مبادرة سياسات الغد مع حليمة قعقور، أيلول 2023)

في السياق نفسه، شرح ضو هذه الاختلافات الاستراتيجية معتبراً أن «التكتل» فشل أساساً ل أنه لم يتمكن من وضع آليات لاتخاذ القرارات يلتزم بها الأعضاء:

«يتمحور النهجان اللذان ساهما في انقسام التكتل حول ما يلي: يؤيد النهج الأول مبدأ «قلب الطاولة» تماماً، كرفض المشاركة في اللعبة السياسية؛ أما النهج الثاني الذي نؤيده فهو «خلق الانقسام بين الجالسين على الطاولة»، كالمساهمة في افتعال الصدامات داخل المنظومة لضمان تقديم التنازلات. وبطبيعة الحال، نبقى الأقرب إلى «نواب التغيير» من حيث المبادئ والبرامج، لكننا في الواقع نختلف في الخيارات السياسية والاستراتيجية.» (مقابلة مبادرة سياسات الغد مع مارك ضو، أيلول 2023)

وفي نهاية المطاف، أدى فشل المبادرة الرئاسية وانهيار «التكتل» إلى انقسام «نواب التغيير» إلى ثلاث مجموعات غير رسمية، على الرغم من أن التنسيق بينها ما يزال قائماً. تتألف إحدى هذه المجموعات من قعقور، وجراده، وزرازير الذين يرفضون تماماً الضغوطات الممارسة عليهم للتوافق مع أحد تحالفَي المنظومة في البرلمان. أما المجموعة الثانية فتتألف من خلف، وصليبا، ومنيمنة، وحمدان، وياسين، ويعقوبيان الذين هم على استعداد لتقديم التنازلات الاستراتيجية، ولكن من دون التوافق بشكل مباشر مع الأحزاب الطائفية. أما المجموعة الثالثة التي تضمّ كلّ من ضو، والدويهي، وصادق فتربطها علاقات وتحالفات أوثق مع قوى 14 آذار:

«على الرغم أننا لم نتمكن من بناء تكتل معارضة مع «نواب التغيير»، إلا أننا نجحنا في تشكيل تكتل يضم 31 نائباً عطّل الجلسات النيابية، ومنع انتخاب فرنجية، وعرقل المبادرة الرئاسية الفرنسية التي أطلقها لودريان، وهو يحقق النجاحات أيضاً على مستوى اللجان البرلمانية… لا نزال ننسّق مع تسعة من نواب التغيير الاثني عشر لكننا كنا بحاجة إلى تكتل معارضة أكبر وأكثر توافقاً، وهذا ما نحن عليه اليوم.» (مقابلة مبادرة سياسات الغد مع وضّاح الصادق، أيلول 2023)

ويجتمع التكتل النيابي التي أشار إليها صادق مرتين أسبوعياً. وهو يضم القوات اللبنانية، والكتائب، وتكتل التجدد، وبعض المستقلين التابعين له إلى جانب صادق، وضو، والدويهي. وبحسب الدويهي، تمثّل الدافع الأساسي وراء تشكيل هذا التكتل في منع حزب الله وحلفائه السياسيين من فرض انتخاب مرشحهم الرئاسي المفضل. وقال ضو أن التكتل توافق حول المرشحين الرئاسيين، والتحقيق في انفجار مرفأ بيروت عام 2020، والتحقيق في قضايا الفساد المرتبطة بالبنك المركزي. ولكنّه انقسم في ما يتعلق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، ودور المؤسسات الدينية داخل الدولة.

في نهاية المطاف، يعيق غياب جدول أعمال مشترك فعالية حركة المعارضة. وعلى الرغم أن بعض النواب يدعون إلى الانتقال من «المعارضة الرمزية» إلى الممارسات الملموسة، يؤكد آخرون على أهمية التوافق حول القضايا الأساسية، والمبادئ، والرؤى السياسية قبل الدعوة إلى الوحدة. وقد ذهبت يعقوبيان إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن بعض أعضاء المعارضة تحرّكهم مصالح شخصية تجعلهم يكتفون بقيادة «دكانة» سياسية صغيرة بدلاً من العمل على تشكيل جبهة أوسع. وبحسب رأيها، ستبقى شرعية حركة المعارضة واستدامتها على المحك إذا لم يتكوّن تكتل سياسي فعال من هذا النوع:

«من المؤسف أن هذه المعارضة لم تتمكّن حتى الآن من تشكيل جبهة تساعدها على العمل بشكل فعال ومنظم. يُعدّ تشكيل مثل هذه الجبهة أهم هدف يمكننا تحقيقه. فالنهج الذي يقتصر فقط على دعم تحقيق المصالح والأهداف الشخصية سيقودنا إلى الهاوية، لا نحو بناء معارضة قوية.» (مقابلة مبادرة سياسات الغد مع بولا يعقوبيان، تشرين الأول 2023)

وبعد أن أصبح النواب أكثر اعتياداً على آليات العمل الداخلية في البرلمان، يدعم البعض منهم مثل ضو هذا الرأي من خلال الدعوة إلى الابتعاد عن أعمال المعارضة الرمزية والسعي لتحقيق أهداف ملموسة على أرض الواقع:

«نحن لا نجيد سوى المعارضة، ولكن علينا أن نتعلم كيفية تحقيق الإنجازات أيضاً. وبناءً على التجارب التي مرينا بها، يمكننا الابتعاد عن الشعارات والتعبير عن الآراء واللجوء إلى الممارسات الفعلية التي تستفيد من الفجوات القائمة في النظام الحالي.» (مقابلة مبادرة سياسات الغد مع مارك ضو، أيلول 2023)

أما منيمنة فقد طرح من جهته رؤية مماثلة، مؤكداً على أن «[نواب التغيير] يكتشفون تدريجياً المجالات التي تتاح فيها الفرصة للمناورة، وكيفية رصد الفجوات المختلفة في النظام والتعامل معها». وعندما سُئل «نواب التغيير» عن مصدر العزم الذي يدفعهم للمضي قدماً في نضالهم بالرغم من الظروف القائمة، فإنهم لم يركّزوا على الاستراتيجية طويلة المدى التي يعتمدونها وحسب، بل سلطوا الضوء أيضاً على إنجازاتهم الصغيرة المتعددة. فعلى سبيل المثال، أشار منيمنة إلى العديد من النجاحات التي يفتخر بها على المستوى الشعبي:

«لقد تمكنا من اختراق مجتمعات معيّنة في بيروت كانت تبدو غير قابلة للاختراق من أي جهات خارجية. فهي تنظر إلينا وتدرك أن مصالحنا المشتركة تتقاطع على الرغم من بعض الاختلافات القائمة بيننا. وهذا ما سمح لنا بإيجاد بعض سبل التعاون أو الأرضيات المشتركة في البيئات التي تُعد بمثابة معاقل طائفية. وبالنسبة إلي، هذا هو الإنجاز الأكبر.» (مقابلة مبادرة سياسات الغد مع ابراهيم منيمنة، أيلول 2023)

ساعدت هذه الخطوات الصغيرة النوابَ على التعامل مع الإحباط الذي اجتاح المجتمع اللبناني نتيجة الانهيار المالي، وتخريب الانتفاضة، وانفجار مرفأ بيروت، وحالة الشلل السياسي التي شهدها البرلمان. أراد منيمنة اختتام كلامه برسالة تفاؤل. ولكنّه اعترف بالواقع الصعب معبّراً في الوقت عينه عن إيمانه ب أن الفرص المستقبلية ستظهر من جديد:

«من الطبيعي بالنسبة إلينا أن نختبر النجاحات والإخفاقات. ونحن الآن نشهد تراجعاً وعلينا تقبّل هذا الواقع. ولكن علينا أيضاً أن نكون مستعدين للفرص المستقبلية، وهذا ما يتطلب منّا مواصلة العمل والتنظيم حتى تحين تلك اللحظة. فنحن لم نكن مستعدين في تشرين الأول 2019، وأضعنا الفرصة التي كانت متاحة أمامنا وخذلنا الناس. في المرة القادمة يجب أن نكون على أهبة الاستعداد.» (مقابلة مبادرة سياسات الغد مع ابراهيم منيمنة، أيلول 2023)

يجد نواب المعارضة في لبنان أنفسهم مضطرين لاتباع مسار متناقض لتحقيق التغيير السياسي. فهم يعتمدون على الدولة باعتبارها نقطة العبور إلى التحول على نطاق أوسع، ولكنهم يشعرون بخيبة أمل بسبب الجمود المتكرر وهيمنة الأحزاب الطائفية. وفي حين تسعى المعارضة للتغلب على التعقيدات ذات الصلة بالوحدة والخلافات، يجب عليها التصدي للتحدي المتمثّل في تحقيق التوازن بين الأولويات الاجتماعية والاقتصادية الملحة وبلوغ الهدف طويل المدى المتمثّل في تحقيق التحول السياسي الجذري. كما يتعين عليها التعامل مع الوقائع المتغيرة، ولاسيما هجرة عدد من الناشطين الشباب الباحثين عن حياة أفضل في الخارج بعد أن فضل وطنهم في تلبية توقعاتهم. وبالتالي، تطرح هذه الحقائق عدداً من الأسئلة الجوهرية حول مصير حركة المعارضة التي تعود جذورها إلى تشرين الأول 2019. هل سيتمكن أخيراً «نواب التغيير» ومنظومة المجموعات البديلة المحيطة بهم من إنقاذ إرث الانتفاضة، من خلال تشكيل جبهة سياسية متماسكة ومنظمة تنظيماً جيداً؟ أم أن المعارضة الجديدة ستبقى محدودةً بينما تواصل الأحزاب القائمة السيطرة على الدولة وشعبها كرهائن لديها؟


1. تراجع عدد «نواب التغيير» إلى اثني عشر عندما خسر رامي فنج مقعده لصالح فيصل كرامي بعد مضي ستة أشهر على الانتخابات، وذلك بعد نجاح الطعن الذي تم التقدم به أمام المجلس الدستوري. أمّا النواب الاثني عشر الذين بقوا في التكتل فهم: بولا يعقوبيان، والياس جراده، وياسين ياسين، ووضّاح الصادق، ومارك ضو، ونجاة صليبا، وحليمة قعقور، وميشال الدويهي، وابراهيم منيمنة، وفراس حمدان، وسينتيا زرازير، وملحم خلف.

2. كان كلّ من بولا يعقوبيان، ورامي فنج، والياس جراده، وياسين ياسين، ووضّاح الصادق، ومارك ضو، ونجاة صليبا مؤيدين لسكاف. بينما عارض كلّ من حليمة قعقور، وميشال الدويهي، وابراهيم منيمنة، وفراس حمدان، وسينتيا زرازير، وملحم خلف التصويت له.

More periodicals

view all
Search
Back to top