The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
12.18.25

قانون الفجوة: تسويةٌ تحمي المصارف ويدفع كلفتها المجتمع

لم يبدأ الانهيار الماليّ في لبنان في تشرين الأوّل 2019، ولا مع التخلّف عن سداد سندات اليوروبوند. فبحلول عام 2017، كان مصرف لبنان ومعظم القطاع المصرفيّ التجاريّ قد أصبحا فعليًّا في حالة عُسرٍ ماليّ على مستوى الميزانيّات العموميّة. وما أعقب ذلك لم يكن مسارًا إصلاحيًّا أو إستراتيجيّة إنقاذ، بل سلسلةً من عمليّات الهندسة الماليّة التي هدفت إلى تأجيل الاعتراف بالخسائر، وحماية النموذج المصرفيّ القائم، ونقل المخاطر المتفاقمة تدريجيًّا إلى المودعين والاقتصاد الأوسع.

ومع تَفكُّك الأزمة، اشتدّ التداخل بين السلطة المصرفيّة والطبقة السياسيّة؛ إذ حافظ مصرف لبنان على نظام أسعار فائدة يقوم على تعميق التعرّض للمخاطر السياديّة. وفي المقابل، عمدت النخب السياسيّة - وكثيرٌ منها مرتبط بالمصارف كمساهمين أو شركاء - إلى تحصين مواقعها، وتمكّن بعضها، في محطّات مفصليّة، من تأمين سبل تهريب الرساميل. أمّا المودعون العاديّون، فقد تحمّلوا عبء التكيّف عبر سحوبات قسريّة بأسعار صرف مجحفة، وآليّات صرف موازية، ورسوم متزايدة على الحسابات المقيّدة، فضلًا عن تضخّمٍ اِلتَهَمَ القدرة الشرائيّة وأفرغ الخدمات العامّة من مضمونها.

ومع مرور الوقت، واكب هذا النقل المادّيّ للخسائر تحوّلٌ موازٍ في الخطاب. فقد أعاد خطابٌ متماهٍ مع المصارف تأطير الانهيار بوصفه أزمةً ناجمةً أساسًا عن الدولة، مع طمسٍ متعمّد للفاصل بين التزامات المصارف والموارد العامّة. وساهم هذا الخطاب في تطبيع فكرة تحميل المجتمع كلفة الانهيار، في حين جرى التعامل مع مالكي المصارف وصنّاع القرار الماليّ بوصفهم «أصحاب مصلحة محميّين»، لا أطرافًا مسؤولة عن الانهيار.

ويأتي قانون الفجوة بوصفه التجسيد القانونيّ لهذا التحوّل. فهو لا يُعالج الأزمة، بل يُقنّنها، ولا يُصلح الخلل، بل يُعيد تنظيمه ضمن إطارٍ تشريعيّ. إنّه يمنح عقدًا كاملًا من حماية النخب صيغةً قانونيّة، ويُرسّخ تسويةً تحصّن مالكي المصارف، والمطَّلعين سياسيًّا، وقيادة المصرف المركزيّ، فيما تُنقَل الأعباء إلى المودعين، ودافعي الضرائب، والأجيال المقبلة.

المبادئ الخمسة الناظمة لتقييمنا

يُقيِّم هذا البيان الموقفيّ قانون الفجوة في ضوء خمسة مبادئ أساسيّة لا بدّ من أن يستوفيها أيّ إطار تعافٍ ذي صدقيّة:

1- تغليب مصلحة المجتمع على منطق الميزانيّات، بما يشمل توفير حماية فعليّة وملموسة للمودعين الصغار والمتوسّطين.

2- العدالة في معاملة المودعين، استنادًا إلى قواعد واضحة، وإجراءات قانونيّة سليمة، ومعايير موضوعيّة مرتبطة بنوع المودع، لا بعَتَبات اعتباطيّة.

3- المساءلة عن المخالفات الماليّة، بما يشمل الشفافيّة، واسترداد الأموال، وتحديد المسؤوليّات القانونيّة.

4- إطار ماليّ–اقتصاديّ كلِّيّ سليم، يحول دون تحويل خسائر المصارف الخاصّة إلى دينٍ عامّ دائم.

5- إعادة إطلاق النشاط الاقتصاديّ وتحقيق نموٍّ مستدام، عبر إعادة هيكلة حقيقيّة للقطاع المصرفيّ، واستعادة دور الائتمان في خدمة الاقتصاد المنتج.

المبدأ الأوّل: تغليب مصلحة المجتمع (بما يشمل المودعين)

يجب أن ينطلق أيّ قانون للفجوة من حماية المجتمع بوصفه كلًّا، لا من حماية الهويّة المحاسبيّة للنظام الماليّ، ولا من صون قدسيّة الودائع الاسميّة بمعزل عن سياق الانهيار. ففي حالات الانهيار النظاميّ، تتمثّل وظيفة القانون في الحدّ من الأضرار الاجتماعيّة، وصون الموارد الجماعيّة، وإعادة بناء مقوّمات التعافي: الخدمات الأساسيّة، والقدرة الشرائيّة، والنشاط الاقتصاديّ.

كما يفترض نهج «المجتمع أوّلًا» ترتيبًا واضحًا لتحمّل الخسائر. فالخسائر يجب أن يتحمّلها أوّلًا من تحكّم فيي المخاطر وجنى عوائدها. يأتي رأس المال الخاصّ ومالكو المصارف قبل الثروة العامّة. ولا يجوز التعامل مع المودعين، ولا سيّما الصغار والمتوسّطين منهم، بوصفهم فائضًا متبقّيًا يُضغط داخل وعود طويلة الأجل.

لقد فرضت الأزمة اللبنانيّة، فعليًّا، خسائر جسيمة على القاعدة الاجتماعيّة العريضة، عبر السحوبات القسريّة، وانهيار سعر الصرف، والرسوم المتراكمة، والتضخّم. وقد خرجت شرائح واسعة من الأسر من النظام المصرفيّ بالكامل. وفي المقابل، باتت الكتلة المتبقّية من الودائع شديدة التركّز، في سياق أصبح فيه نحو 82٪ من المجتمع خارج التعامل المصرفيّ الفعليّ. وعليه، حين يعرّف قانون الفجوة مهمّته على أنّها «حماية الودائع»، لا يعود السؤال بلاغيًّا: أيّ ودائع يسعى هذا القانون إلى حمايتها تحديدًا؟ وبأيّ كلفة اجتماعيّة؟ 

كيف ينتهك قانون الفجوة هذا المبدأ

المشكلة الأولى: تحويل الثروة العامّة لتغطية خسائر مصرفيّة خاصّة

ينشئ القانون صندوقًا يُدار من قبل مصرف لبنان، ويُموَّل من موارد عامّة وشبه عامّة، تشمل عائدات المعادن والسلع الثمينة، وأصولًا مرتبطة بمؤسّسات عامّة وكيانات مملوكة للمصرف المركزيّ، إضافة إلى موارد قابلة للاستخدام لدى مصرف لبنان. وهذه كلّها أصول تعود إلى المجتمع ككلّ؛ مع العلم أنّ أفراد المجتمع لا يمتلكون جميعًا حسابات مصرفيّة أصلًا. وكان الأجدى أن تُخصَّص هذه الموارد لتمويل أولويّات التعافي، كالكهرباء، والتعليم، والصحّة، والبنى التحتيّة، والحماية الاجتماعيّة. غير أنّ القانون يرهنها لسدّ فجوة نتجت من نموذج مصرفيّ خاصّ، واستمرّت بفعل إخفاق تنظيميّ ورقابيّ جسيم (انظر الموادّ 10، و12/1–2).

المشكلة الثانية: تحميل المجتمع والمودعين الصغار كلفة مزدوجة

لقد دفع المودعون ثمن الانهيار مرّةً أولى عبر الوصول المقيّد إلى ودائعهم، وانهيار قيمة العملة، وتدهور الخدمات العامّة. ويأتي القانون ليُثبّت اقتطاعًا ثانيًا، عبر حصر السداد النقديّ بسقف 100,000 دولار أميركيّ موزّعة على أربع سنوات، وتحويل ما تبقّى إلى أدوات طويلة الأجل ضعيفة العائد. كما يعيد تقييم بعض الحسابات بالدولار، المحوّلة من الليرة بعد تشرين الأوّل 2019، على أساس 30,000 ليرة للدولار، أي بأقلّ بكثير من السعر السوقيّ (انظر المادّة 7، والموادّ 12–13).

ما الذي يحقّقه نهجٌ قائم على أولويّة المجتمع؟

لو أُعيد بناء قانون الفجوة انطلاقًا من هذا المبدأ، لأدّى إلى ثلاث نتائج أساسيّة: منع جولة ثانية من نقل الخسائر إلى المجتمع، واستعادة المشروعيّة عبر الاعتراف الصريح بالخسائر وتوزيعها العادل، وحماية مسار التعافي من خلال إبقاء الموارد العامّة متاحة للخدمات والاستثمار المنتج.

المبدأ الثاني: الإنصاف في معاملة المودعين

يجب أن يقوم أيّ قانون للفجوة على معاملة منصفة للمودعين. والإنصاف لا يعني المساواة الشكليّة بين جميع الودائع، بل يعني أن تُعامَل الحالات المتشابهة على نحوٍ متشابه، وأن تُعامَل الحالات المختلفة على نحوٍ مختلف لأسباب واضحة ومعلنة، ضمن قواعد شفّافة، قابلة للمراجعة، ومطبَّقة على الجميع من دون استثناء. كما يقتضي الإنصاف تمييز الثروة الخاصّة من المدّخرات ذات الطابع الاجتماعيّ. فبعض الودائع تمثّل معاشات تقاعديّة، أو تغطية صحّيّة، أو موارد للرفاه الجماعيّ، ولا يجوز إخضاعها لمنطق «الثروة الاختياريّة».

لقد أفرزت الأزمة نتائج غير متكافئة لأنّ الوصول إلى النظام المصرفيّ لم يكن متكافئًا. فبينما عُلّق بعضهم داخل النظام ودفع الثمن عبر السحوبات القسريّة والتخفيض القسريّ للقيمة، حظي آخرون بمعاملة تفضيليّة، أو تمكّنوا من تحويل أموالهم، أو استفادوا من امتيازات داخليّة. ومن هنا، يصبح الإنصاف المعيار الجوهريّ للحكم على ما إذا كان القانون يسعى إلى تصحيح الظلم أم إلى تكريسه.

كيف ينتهك قانون الفجوة هذا المبدأ

المشكلة الأولى: تقنين اللامساواة عبر تجاهل الخسائر السابقة

يدّعي القانون حماية الودائع التي تقلّ عن 100,000 دولار أميركي، غير أنّه يحتسب هذه الحماية على أساس الأرصدة المتبقّية فقط. وبذلك، يُعامَل المودعون الذين تكبّدوا خسائر فعليّة سابقًا - عبر السحوبات القسريّة، أو تخفيض سعر الصرف، أو الرسوم - كما لو أنّ تلك الخسائر لم تقع أصلًا. وهذا يُثبّت اللامساواة التي نشأت بفعل إدارة الأزمة خارج الأطر القانونيّة، ويكافئ مَن احتفظوا بإمكانيّة الوصول، فيما يُعاقَب من حُرموا منها (انظر المادّة 7).

المشكلة الثانية: استبدال الإنصاف المستند إلى الوقائع بقواعد اعتباطيّة ووصم جماعيّ

تُحدَّد معاملة المودعين وفق عتبات رقميّة وتواريخ جامدة، بدلًا من الاستناد إلى نوع المودع، أو غاية الإيداع، أو وجود إساءة موثّقة. كما يُستعاض عن الإثبات القانونيّ بوصمٍ شامل للودائع «بعد 17 تشرين الأوّل 2019»، فيما تبقى فئات الاستبعاد (غير المشروعة، غير المؤهّلة، الفوائد المفرطة) غامضة، بلا معايير محدّدة، أو ضمانات إجرائيّة، أو آليّات طعن فعّالة (انظر المادّتَين 2 و5).

المشكلة الثالثة: إخضاع المدّخرات الاجتماعيّة لمنطق خسائر الثروة الخاصّة

يُعامِل القانون المدّخرات الجماعيّة والاجتماعيّة، كالصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ، وصناديق التقاعد، والنقابات، والتعاونيّات، والبلديّات، معاملة الودائع العاديّة. ويؤدّي ذلك إلى إخضاع المعاشات، والتغطية الصحِّيَّة، وصناديق الحماية الاجتماعيّة لمنطق الخسارة نفسه المخصّص للثروة الخاصّة الاختياريّة، بما يعني نقل الانهيار الماليّ مباشرةً إلى خسائر في الرفاه الجماعيّ.

ما الذي يحقّقه نهجٌ قائم على الإنصاف؟

لو أُعيد بناء قانون الفجوة على أساس هذا المبدأ، لأدّى إلى ثلاثة تحوّلات أساسيّة: تصحيح اللامساواة التي نشأت خلال الأزمة، استبدال القواعد الاعتباطيّة بمعايير واضحة وقابلة للمراجعة، وضمان أن تُبنى الحماية على الظروف الفعليّة للأفراد والمؤسّسات، لا على تواريخ أو عتبات مجرّدة.

المبدأ الثالث: المساءلة عن المخالفات الماليّة

يجب أن يقوم أيّ قانون للفجوة على مبدأ المساءلة. فهذا الانهيار لم يكن نتيجة ظرفٍ عابر، بل حصيلة قرارات اتّخذتها مؤسّسات وأطراف فاعلة محدّدة على مدى سنوات. إنّ القانون الذي يوزّع الخسائر من دون تثبيت المسؤوليّات يُضفي شرعيّة على الإفلات من العقاب. وتعني المساءلة كشف كيفيّة تكوّن الخسائر، وتحديد من استفاد منها، ومن أساء استخدام السلطة أو المعلومات، ومن أخلّ بواجباته. وبدون هذه المساءلة، يتحوّل القانون إلى تسوية تطلب من المجتمع قبول التضحيات، فيما تبقى الأسباب، والمستفيدون، والانتهاكات في الظلّ. وهذا ما يقوّض الثقة ويجعل تكرار الانهيار أمرًا مرجّحًا.

كيف ينتهك قانون الفجوة هذا المبدأ

المشكلة الأولى: توزيع الخسائر من دون تثبيت الوقائع أو تحديد المسؤوليّات

لا يتضمّن القانون أيّ نصّ مُلزِم لإجراء تدقيقات جنائيّة كاملة في حسابات مصرف لبنان أو المصارف التجاريّة. وتبقى عمليّات الهندسة الماليّة، والإقراض الداخليّ، والتعرّض السياسيّ، وتراكم الخسائر خارج أيّ فحص جدِّيّ. ومن دون تحديد كيفيّة نشوء الخسائر ومن استفاد منها، يُؤسِّس القانون لغموضٍ مُقنَّن وإفلاتٍ مؤسَّسيّ من المساءلة.

المشكلة الثانية: معالجة محدودة لانتهاكات فترة الأزمة مقابل حماية مُشرعنة

يُعالج تهريب الرساميل، والتحويلات التفضيليّة، وممارسات المراجحة في سداد القروض عبر رسوم أو اقتطاعات محدودة ومجزّأة لا تتناسب مع حجم المكاسب المحقَّقة. وفي المقابل، تُعدَّل فوائد المودعين بأثر رجعيّ، فيما لا تخضع أرباح المصارف، ولا توزيعاتها، ولا المكافآت، ولا تعويضات الإدارات التنفيذيّة لأيّ تدقيق أو مساءلة مماثلة.

المشكلة الثالثة: إدماج تضارب المصالح في إدارة الأزمة

يحتفظ فاعلون مرتبطون بالمصارف بنفوذهم داخل الهيئات المعنيّة بتحديد التقييمات، والأهليّة، وآليّات معاملة المودعين. ولا يمكن لآليّات المساءلة أن تعمل بفعاليّة في ظلّ تضارب بنيويّ في المصالح لدى صانعي القرار، بما يُضعف المصداقيّة ويقوّض التنفيذ.

ما الذي يحقّقه نهجٌ قائم على المساءلة؟

لو أُعيد بناء قانون الفجوة على هذا الأساس، لأدّى إلى تثبيت الوقائع المتعلّقة بكيفيّة حدوث الانهيار، وفرض تَبِعات حقيقيّة على من أساء استخدام السلطة أو المعلومات، واستعادة الثقة العامّة عبر إظهار أنّ الخسائر لا تُعمَّم اجتماعيًّا فيما تبقى المسؤوليّات خاصّة.

المبدأ الرابع: إطار ماليّ–اقتصاديّ كلِّيّ سليم

يجب أن يندرج أيّ قانون للفجوة ضمن إطار ماليّ–اقتصاديّ كلِّيّ مستدام. فاستقرار المصارف عبر زعزعة استقرار الدولة لا يُشكّل تعافيًا، بل ينقل الأزمة من ميزانيّات المصارف إلى الماليّة العامّة. ويقتضي الإطار السليم أن يكون الدين العام قابلًا للإدارة، وأن تكون الخيارات الماليّة واضحة، وأن تُوجَّه الموارد العامّة نحو التعافي والتنمية، لا نحو إدارة أزمة دائمة. ولا يمكن للبنان أن يعيد بناء نفسه إذا أنشأ القانون التزامات عامّة مفتوحة من دون مسار اقتصاديّ واقعيّ. فعندما ينهار الحيّز الماليّ، تنهار الخدمات، وتتحوّل الخسائر الماليّة إلى خسائر اجتماعيّة.

كيف ينتهك قانون الفجوة هذا المبدأ

المشكلة الأولى: نقل خسائر المصارف الخاصّة إلى الدولة من دون معالجة الدين السياديّ

يمضي القانون من دون إعادة هيكلة ذات معنى لسندات اليوروبوند أو للدَّين الداخليّ، ما يؤجّل التكيّف ويقوّض الاستدامة الماليّة. ومن خلال تعبئة الأصول العامّة وموارد المصرف المركزيّ في غياب إستراتيجيّة ديون واضحة، يُحوِّل القانون خسائر المصارف الخاصّة إلى التزامات على الدولة، وينقل الأزمة من ميزانيّات المصارف إلى الماليّة العامّة.

المشكلة الثانية: تعرّض ماليّ مفتوح بلا إطار ماليّ–اقتصاديّ

لا يقدّم القانون أيّ خريطة طريق ماليّة كلّيّة، ولا أيّ توقّعات منشورة للنموّ، أو التضخّم، أو التوظيف، أو الدين، أو الموقع الخارجيّ. ويُطلب من مجلس النوّاب إقرار تسوية طويلة الأجل من دون وضوح في كلفتها الماليّة، ما يُرسّخ عدم اليقين ويُضعف قدرة الدولة على التخطيط، وتمويل الخدمات، ودعم التعافي.

ما الذي يحقّقه نهجٌ ماليّ–اقتصاديّ سليم؟

لو أُعيد بناء قانون الفجوة على هذا الأساس، لأدّى إلى مواءمة معالجة الأزمة الماليّة مع القدرة الماليّة الحقيقيّة للدولة، ومنع تحوّل الخسائر المصرفيّة إلى التزامات عامّة دائمة، والحفاظ على قدرة الدولة على تمويل الخدمات والاستثمار في التعافي على المدى الطويل.

المبدأ الخامس: إعادة تنشيط النشاط الاقتصاديّ وتحقيق نموّ مُستدام

يجب أن يساهم أيّ قانون للفجوة في إعادة تشغيل النشاط الاقتصادي ودعم نموّ مستدام. فالإطار الذي يُبقي المؤسّسات غير القابلة للحياة، ويحبس المدّخرات في أدوات غير سائلة، ويؤخّر الائتمان عن الاقتصاد الحقيقيّ، يُعمِّق الركود بدلًا من معالجته. ويتطلّب التعافي قطاعًا مصرفيًّا أصغر وأكثر متانة، يخدم الأسر، والعمّال، والمؤسّسات المنتجة. ومن دون ائتمان فعّال ونظام مصرفيّ موثوق، يبقى لبنان عالقًا في اللاشكليّة وانخفاض الاستثمار. ولا تُعيد إصلاحات الميزانيّات التي تؤجّل إعادة الهيكلة إنتاج النموّ.

كيف ينتهك قانون الفجوة هذا المبدأ

المشكلة الأولى: حماية المصارف غير القابلة للاستمرار وتأجيل الحسم

على الرغم من أنّ القانون ينصّ على مراجعات لجودة الأصول وتقييمات ماليّة، فهو يسمح بمهلة تصل إلى خمس سنوات لإعادة الرسملة من دون إلزام بتدقيقات جنائيّة أو حسم سريع لوضع المصارف غير القابلة للاستمرار. ويؤدّي ذلك إلى إبقاء مؤسّسات ضعيفة ومعسَّرة، وتأجيل الاندماج أو الخروج من السوق، وتعليق إعادة هيكلة القطاع، وتجميد الائتمان الموجَّه للاقتصاد الحقيقيّ، وإطالة أمد الركود الاقتصاديّ (انظر المادّة 4).

المشكلة الثانية: الأدوات غير السائلة تُقوِّض الثقة

يؤدّي استخدام أدوات طويلة الأجل منخفضة العائد إلى إضعاف الثقة والسيولة، وتأخير الاستهلاك والاستثمار. ومن خلال حبس المدّخرات في أدوات غير سائلة فيما يبقى الائتمان مقيّدًا، يُبقي القانون الاقتصاد في حالة توازن منخفض النموّ تتّسم بضعف الطلب واستمرار التفكّك الماليّ (انظر الموادذ 12–14).

ما الذي يحقّقه نهجٌ موجَّه نحو النموّ؟

لو أُعيد بناء قانون الفجوة على هذا الأساس، لأدّى إلى حسم أوضاع المصارف غير القابلة للاستمرار عوضًا من الإبقاء عليها، واستعادة الثقة والسيولة لدى الأسر والمؤسّسات، وإعادة بناء نظام مصرفيّ أصغر حجمًا لكن فعّال، يدعم النشاط الإنتاجيّ وفرص العمل والنموّ المستدام.

ما الذي يجب تغييره

في سبيل مواءمة قانون الفجوة مع المبادئ الخمسة المذكورة أعلاه، لا بدّ من التعديلات الآتية:

1- حماية المجتمع والموارد العامّة

- إقرار حدٍّ أدنى مُلزِم للإنفاق على الكهرباء، والتعليم العامّ، والصحّة العامّة، والحماية الاجتماعيّة قبل تخصيص أيّ موارد لتمويل الفجوة.

- تقييد استخدام الذهب، والأراضي العامّة، والمؤسّسات المملوكة للدولة، والإيرادات المستقبليّة بحالات استثنائيّة ومحدّدة زمنيًّا يوافق عليها مجلس النوّاب، وبما لا يُقوّض تمويل الخدمات العامّة الأساسيّة.

2- حماية المودعين بعدالة وشفافيّة

- ضمان استرداد سريع للودائع الصغيرة والمتوسّطة، مع إعطاء الأولويّة لحسابات الأجور، وتعويضات نهاية الخدمة، والصحّة، والتعليم، وحسابات تشغيل المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة.

- معاملة المدّخرات الاجتماعيّة، بما فيها الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ، وصناديق التقاعد، والنقابات، والتعاونيّات، والبلديّات، بوصفها فئة محميّة.

- استبدال العتبات الاعتباطيّة والوصم القائم على التواريخ بتمييزٍ قائم على نوع المودع وتقييمٍ فرديّ للحالات تحت إشراف قضائيّ.

3- فرض المساءلة واسترداد المكاسب الخاصّة

- إلزام إجراء تدقيقات جنائيّة كاملة في مصرف لبنان وجميع المصارف التجاريّة، مع نشر النتائج.

- استرداد التحويلات التفضيليّة، ومدفوعات المطلعين، والمكافآت المفرطة، والتوزيعات، وفرض التزامات استرداد فعليّة على مكاسب تهريب الرساميل والمراجحة بعد الأزمة.

- إقرار المسؤوليّة المدنيّة والجزائيّة بحقّ المديرين التنفيذيّين، وأعضاء مجالس الإدارة، والجهات الرقابيّة، والمسؤولين الذين أخلّوا بواجباتهم.

4- استعادة الاستدامة الماليّة الكلِّيَّة

- الشروع في إعادة هيكلة موثوقة للدَّين السياديّ.

- حظر تحويل الخسائر المصرفيّة إلى التزامات عامّة طويلة الأجل، إلّا في حالات محدّدة بدقّة ومقيّدة زمنيًّا تُثبت أنّها تحمي الملاءة الماليّة وتمويل الخدمات الأساسيّة، ولا يمكن تحقيقها عبر تحمّل القطاع الخاصّ الخسائر.

5- إعادة تنشيط النشاط الاقتصاديّ وإعادة بناء النظام المصرفيّ

- إجراء مراجعات وتقييمات لجودة الأصول على أساس كلّ مصرف على حدة.

- حسم أوضاع المصارف غير القابلة للاستمرار عبر إعادة الهيكلة، أو الاندماج، أو التصفية.

- تقصير الجداول الزمنيّة لإعادة الرسملة، وربطها بتغيير الملكيّة والإدارة، مع إلزام المصارف المستعادة باستئناف الإقراض للاقتصاد الحقيقيّ.

 


More periodicals

view all
Search
Back to top