The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
01.09.24

مشروع موازنة لبنان لعام 2024: ضبط عشوائي للعجز

وسيم مكتبي,
سامي عطا الله,
سامي زغيب

بعد أسبوع واحد فقط من إرسال مشروع موازنة 2023 إلى مجلس النواب، وافقت حكومة تصريف الاعمال على مشروع موازنة 2024 وأحالته إلى مجلس النواب لمراجعته وتصديقه. وعلى الرغم من تسليم مشروع الموازنة في موعده، إلّا أنه، وعلى غرار مشروع موازنة 2023، 1 يأتي خالياً من أي إجراءات إصلاحية، ويخفق في زيادة الاستثمار في الخدمات العامة—بخلاف ما هو مذكور في فذلكة الموازنة— ولا يفعّل العقد الاجتماعي المعطل في لبنان. وتكشف مراجعة أرقام النفقات والإيرادات إخفاق مشروع موازنة 2024 في تخصيص الأموال بشكل متوازن، وإمعاناً في اعتماد الضرائب التنازلية، ما يشير بوضوح إلى انهيار ادارة المالية العامة المتزايد في الموازنات اللبنانية، ولا سيما منذ عام 2019. 2

تلجأ الحكومة إلى الضريبة على القيمة المضافة في محاولة يائسة منها لتأمين الإيرادات، مستسهلة ذلك من دون أي حساب للمستقبل

يُتوقع حسب ما ورد في مشروع موازنة عام 2024 أن يصل إجمالي الإيرادات الضريبية إلى 212.6 تريليون ليرة، وهو ما يعادل 2.39 مليار دولار أمريكي بالقيمة الفعلية، لتشكل 75% من إجمالي إيرادات الحكومة. وعلى غرار الموازنات السابقة، ستُحصّل غالبية الإيرادات الضريبية (62%) عن طريق الضرائب غير المباشرة. إذ يُتوقع أن تصل الإيرادات الضريبية المحلية على السلع والخدمات إلى 118,4 تريليون ليرة (1.33 مليار دولار) بزيادة الضعف تقريباً عن تقديرات مشروع موازنة 2023 (0.69 مليار دولار).3 يؤدي الاعتماد على الأدوات الضريبية العشوائية للحصول على الإيرادات إلى إثقال كاهل المقيمين ذوي الدخل المحدود. في ضوء ما تقدّم، يواصل مشروع موازنة 2024 ما اقتُرح في مشروع 2023 من تخفيض للحد الأدنى لتطبيق ضريبة القيمة المضافة بحيث تشمل الشركات التي تحقق مبيعات سنوية ابتداءً من 24,000 دولار، ما يؤثر سلباً على الشركات الصغيرة والمتوسطة التي كانت خاضعة سابقاً للضريبة ابتداءً من 67،000 دولار. علاوة على ذلك، فإن المخاوف بشأن قدرة الدولة على ضمان الامتثال بسبب ضعف إدارتها الضريبية وانتشار الاقتصاد القائم على النقد، تدعو إلى التشكيك في مدى فعالية هذه التغييرات في السياسات. ويُتوقع تحقيق إيرادات بقيمة 780 مليون دولار من الضرائب المباشرة (أي 33% من الإيرادات الضريبية) مع حفاظ مشروع موازنة 2024 على التصميم المعيب لضريبة الدخل المحددة في موازنة 2023، والتي تحابي أصحاب الدخل المرتفع وتزيد العبء الضريبي على الشرائح الضعيفة.

تغض الحكومة البصر عن الحاجة الماسة لإعادة تعزيز الخدمات الاجتماعية

تعاني وزارات الخدمات وصناديق التأمين الاجتماعي في لبنان منذ أواخر عام 2019 من خسارات فادحة في قدراتها المالية.4 فقد انخفضت القيمة الفعلية لموازنات وزارات الخدمات بنسبة 88% وصناديق التأمين الاجتماعي بنسبة 69% بين عامي 2019 و2023، في الفترة التي اشتدت فيها حدة الأزمة بشكل غير مسبوق.5 في حين تقترح موازنة 2024 زيادات كبيرة في الموازنتين مقارنةً بالعام السابق (أكثر من 64% لوزارات الخدمات وأكثر من 169% لصناديق التأمين الاجتماعي العامة والخاصة) إلا أنها لا ترقى إلى مستويات ما قبل الأزمة. وعلى وجه التحديد، من المتوقع ألا تزيد مساهمة الدولة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في عام 2024 عن 87,542 دولاراً (3% من قيمة عام 2019) مقارنة بصناديق القطاع العام، التي من المقرر أن تتلقى 184 مليون دولار (86% من قيمة عام 2019). أما وزارات الخدمات، التي تحصل مجتمعة على 32% مقارنةً بما حصلت عليه في عام 2019 (0,59 مليار دولار في عام 2024 مقارنة بـ 1,8 مليار دولار في عام 2019)،6 فقد حصلت على موازنات متفاوتة: خُصصت لوزارة التربية والتعليم العالي موازنة بلغت نسبتها 14% من حجم موازنتها لعام 2019، في مقابل 33% لوزارة الشؤون الاجتماعية و85% لوزارة الصحة العامة.

هيمنة احتياطي الموازنة على الحصة الاكبر من الإنفاق العام يشكل خطر إنفاق استنسابي وتجاوز لدور مجلس النواب

يُتوقع أن يشكل احتياطي موازنة 2024 البند الأكبر في الاعتمادات، بقيمة 880 مليون دولار (27% من إجمالي النفقات) وهو الأعلى منذ عام 2017 (920 مليون دولار، 5% من إجمالي النفقات). لا يدل هذا على ضعف شديد في التخطيط المالي العام فحسب،7 بل ويجرد مجلس النواب أيضاً من دوره كمدقق في الإنفاق العام. وواقع الأمر أن احتياطي الموازنة يُترك «للإنفاق الطارئ» الذي لا ينص مسبقاً على الغاية أو الغرض من إنفاق الأموال. يستلزم إنفاق الأموال الاحتياطية موافقة مجلس الوزراء، ويمكن إنفاقها على أنشطة متنوعة، منها على سبيل المثال تمويل فواتير المستشفيات أو شراء السلع والخدمات غير المنصوص عليها في الموازنة.

على الرغم من ارسال مشروع موازنة 2024 في الوقت المحدد من الحكومة الى مجلس النواب للمرة الأولى منذ عشر سنوات، إلا إن ذلك ليس مؤشراً على تحسن في إدارة المالية العامة

التزمت وزارة المالية ومجلس الوزراء بتقديم الموازنة في موعدها، ما يعني أن موازنة 2024 قد تكون أول موازنة منذ عام 2002 لا تنتهك الموعد الدستوري النهائي للموازنة.8 إلا أن إعداد الموازنة في الوقت المحدد لا يتخطى كونه مجرد عملية محاسبية لهياكل النفقات والإيرادات بعيدة عن تحقيقها لأهداف سياسات تسعى لتعافٍ اقتصادي يشمل الجميع. لا يزال الإنفاق الاجتماعي والرأسمالي ضعيفاً، بموازاة زيادات ملحوظة في الضرائب التنازلية. يبدو أن الإعداد السريع للموازنة هو مجرد محاولة لطمأنة صندوق النقد الدولي، وليس مؤشراً على إدارة مقتدرة للمالية العامة، حيث خصص مجلس الوزراء ستة أيام فقط للمراجعة والموافقة على مقترح الموازنة المقدم من وزارة المالية.9


هذا المقال مستند إلى تقرير قادم وتم إنتاجه كجزء من تعاون مبادرة سياسات الغد مع اليونيسيف في إطار مشروع مشترك بعنوان "تحليل ومناصرة للسياسات الضرورية والإصلاحات"، بهدف تعزيز البحث المستقل والدعوة إلى تغيير السياسة العامة. يجدر بالذكر أن اليونيسيف لا تقر بالآراء/التحليلات/الآراء التي يعبر عنها الكتّاب.

 

1. وسيم مكتبي، سامي زغيب، سامي عطا الله. أيلول 2023. «مشروع موازنة لبنان لعام 2023: إنفاق بلا غاية». مبادرة سياسات الغد، وسيم مكتبي، جورجيا داغر، سامي زغيب، وسامي عطا الله. أيلول 2023. «مشروع موازنة لبنان لعام 2023: ضرائب تستهدف الأكثرية، وتعفي الأثرياء». مبادرة سياسات الغد.

2. تستند الحسابات إلى سعر صرف 89,000 ليرة لبنانية مقابل الدولار.

3. تستند أرقام عام 2023 إلى سعر صرف 84,595 ليرة لبنانية مقابل الدولار، وأرقام عام 2024 على سعر صرف 89,000 ليرة لبنانية مقابل الدولار.

4. تشمل وزارات الخدمات وزارة التربية والتعليم العالي، والصحة العامة، والثقافة، والمهجرين، والشباب والرياضة، والشؤون الاجتماعية.

5. كانت نحو 100 ألف أسرة تعيش في فقر عام 2021، وفقاً لتقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا). 2021. «الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان (2019-2021) واقع أليم وآفاق مبهمة».

6. وزارات الخدمات هي: وزارة الصحة العامة، وزارة التربية والتعليم العالي، وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة المهجرين، وزارة الشباب والرياضة، ووزارة الثقافة.

7. باري بوتر، جاك دايموند. 1999. «المبادئ التوجيهية لإدارة الإنفاق العام» صندوق النقد الدولي.

8. «لوريان توداي» أيلول/سبتمبر 2023. «الحكومة تمرر مشروع موازنة 2024 بسرعة غير معهودة».

9. المرجع نفسه.

From the same author

view all

More periodicals

view all
Search
Back to top