The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
11.26.25

كيف أعادت حربُ 2024 ترتيبَ قوى التعطيل ولم تُنتِج سوى إصلاحٍ انتقائيّ؟

سامي عطاالله,
سامي زغيب

غالبًا ما تُوصَف الأزمات بأنّها فرصٌ مُقَنَّعة. فهي ترفع كلفةَ التقاعس، وتفتح حيّزًا لائتلافات جديدة، وتجعل ما كان مستحيلًا سابقًا يبدو ضروريًّا. يسمّيها علماءُ السياسة «المنعطفات الحاسمة» — لحظاتٌ تهتزّ فيها التوازناتُ الراسخة ويُمكِن أن تولد منها مساراتٌ جديدة.

كان انهيار عام 2019 الماليّ أحدَ أعنف الانهيارات في زمن السِّلم في التاريخ الحديث: انكمش الناتجُ المحلّيّ الإجماليّ بأكثر من 40 في المئة، وقفز التضخّم إلى مستوياتٍ ثلاثيّة الأرقام، وتُرِكَ ملايينُ الأشخاص محرومين من مدّخراتهم. وبأيّ معيارٍ مقارن، كان ينبغي أن يؤدّي ذلك إلى فرضٍ فوريّ للضوابطِ على رأس المال، وإعادة هيكلة القطاع المصرفيّ، وإعادة التفاوض حول العقد الاجتماعيّ. وبدلًا من ذلك، ردّت الطّبقةُ السياسيّةُ بإصدار تعاميم، وفرض قيودٍ ارتجاليّة، وخوض مفاوضاتٍ لا تنتهي، وإطلاق رواياتٍ مُضلِّلة هدفت في نهاية المطاف إلى تحميل المجتمع كلفةَ الأزمة، ومنع أيّ إصلاحٍ فعليّ، وحماية أصحاب النفوذ السياسيّ والماليّ. لقد كانت الفرصة متاحة، لكن لم يُستفَد منها.

بين عامَي 2019 و2024، ثَبَّت لاعبانِ أساسيّان حقَّ النقض وأبقيا الوضعَ على حاله. أمّا الأول، فكان النخبةَ الماليّة في لبنان، من مصرفيّين، ومطوّرين عقاريّين، ومحتكري الاستيراد، ورعاتهم السياسيّين. فقد حرّكوا البرلمانَ والقضاءَ والإعلام لحماية أنفسهم من أيّ توزيعٍ للخسائر. وكلّ مقترحٍ لإعادة هيكلة القطاع، أو فرض «حسومات» على كبار المودعين، أو فرض ضرائب على الثروة، جرى تخفيفه أو تعطيله. كانت الإستراتيجيّة واضحة: خصخصة المكاسب وتوزيع الخسائر والحفاظ على اقتصاد رَيْعِيّ يخدم مصالحهم.

أمّا اللاعب الثاني، الأقلُّ وضوحًا في استخدام حقّ النقض، فكان حزبَ الله. فعلى الرغم من عدم امتلاكه حصّةً مباشرة في النظام المصرفيّ، فقد أولى استقرارَ النظام السياسيّ الأولويّةَ القصوى بحيث عارض باستمرار أيّ إصلاحاتٍ قد تُزعزع استقرار حلفائه داخل السلطة، حتّى عندما كانت الأزمةُ تُنهِك بيئتَه نفسها. كانت الحسابات بسيطة: نظامٌ مختلّ يعمل ويبقى، أفضل من نظامٍ مُعادَةٍ هيكلتُه بمآلاتٍ سياسيّة غير متوقّعة.

وقد فَتَحَت حربُ 2024 نافذةً جديدة هذه المرّة، لم تُحرِّكها العواملُ الاقتصاديّة المنهارة أصلًا، بل الجيوسياسيّة. فقد بدأ الفاعلون الدوليّون يربطون بين استقرار لبنان الماليّ وبُنيته الأمنيّة: تقييد السلاح، وتعزيزِ دور الجيش اللبنانيّ، وتقليصِ هامش استقلاليّة حزب الله. لم يعد الإصلاحُ مرتبطًا فقط بإرضاء صندوق النقد الدوليّ؛ بل غدا متّصلًا باستقرار المنطقة. لقد اتّسعت النافذةُ مُجدّدًا، لكنْ مع «ميزة جيوسياسيّة».

بعد الحرب: ثلاثة فاعلين وثلاثة تحوّلات

لقد غيّرَت نتائجُ حرب 2024 ميزانَ القوى وإستراتيجيّاتِ الفاعلين الثلاثة الرئيسيّين: حزب الله، والجهات الدوليّة، والنخبة الماليّة. وقد ولّدت تحوّلاتُهم مجتمعةً شروطًا لمشهدٍ إصلاحيّ جديد، وإن لم يكن بالضرورة أعمق أو أكثر عدالة.

كان تحوّلُ حزب الله هو الأكثرَ وضوحًا. فقد خرج من الحرب منهكًا عسكريًّا، مُثقَلًا ماليًّا، وأكثرَ حذرًا سياسيًّا. وتراجعت قدرتُه على ممارسة «الفيتو النظاميّ»، ذاك الذي كان قادرًا على تعطيل أيّ إصلاح تقريبًا، لتتحوّل إلى «فيتو ظرفيّ» يُستخدَم انتقائيًّا، وفي الحالات التي تُمَسّ فيها المصالحُ الأساسيّة أو «الخطوطُ الحمر» المتَّصلة بالسلاح. وقد تبيّن ذلك بوضوح عندما انسحب الحزبُ من جلسة الحكومة في 5 آب 2025 بعد تصويت الوزراء على حصر السلاح بالمؤسَّسات الرسميّة؛ فقد وجَّه رسالةَ اعتراض، لكنّه لم يصعّد إلى درجة الاستقالة. وتسامح مع تعديلاتٍ على قانون السرِّيَّة المصرفيّة، وقَبِل معاييرَ أكثر صرامةً في مكافحة تبييض الأموال، وسمح بمرور إصلاحات المشتريات العامّة، على الرغم من أنّ هذه التدابير عزّزت الرقابة الماليّة عليه. لقد انتقلت إستراتيجيّته من تعطيل الإصلاح بالجملة إلى إدارة المخاطر بشكل انتقائيّ، والدفاعِ فقط عن الأعمدة التي يعدّها وجوديّة.

أمّا الجهاتُ الدوليّة، فقد شهدت تحوّلًا أشدّ حدّة. ففي الفترة ما بين 2019 و2024، مارس المانحون ما يُشبه «الاشتراط الليّن»: ضغطًا يكفي لإنتاج خطابٍ سياسيّ، لكنّه لا يكفي لفرض أيّ إجراء فعليّ. بعد حرب 2024، صار الاشتراطُ أكثرَ صرامةً وإكراهًا، لكنّه أيضًا ضاق نطاقًا. فقد أصبح الدعمُ لإعادة الإعمار والاستقرار الماليّ مشروطًا بوضوح بزيادة الشفافية، وتشديد الامتثال الماليّ، واعتماد ضوابط مؤسّسيّة تهدف إلى الحدّ من وصول حزب الله إلى الاقتصاد الرسميّ. وبات الإصلاحُ أداةً في الإستراتيجيّة الجيوسياسيّة. وصار المانحون يُقدّمون الاستقرارَ الاقتصاديّ بوصفه جزءًا لا ينفصل عن احتواء المخاطر الأمنيّة، ساعين إلى إضعاف استقلاليَّة الحزب الماليّة وتعزيز المؤسّسات الرسميّة بوصفها توازنًا مضادًّا له. وقد أدّى هذا التحوّل إلى تضييق أجندة الإصلاح على إجراءاتٍ تتوافق مع الأهداف الأمنيّة، لا بالضرورة مع متطلّبات التعافي الاقتصاديّ العادل.

أمّا النخبةُ الماليّة فقد أعادت هي الأخرى مُعايرةَ مقاربتها. فبعد أن أصبحت المصارفُ مفلسةً، ومُفتقِرةً للصدقيّة، ومقطوعةً عن الأسواق الدوليّة، لم تعُد قادرةً على تعطيل كلّ شيء كما فعلت بعد عام 2019. وتحت ضغط المانحين والهيئات الناظمة والحكومة، انتقلت من المقاومة العدائيّة إلى الامتثال التكتيكيّ، وقبلت إصلاحاتِ السرِّيَّة المصرفيّة، ومكافحة تبييض الأموال، وشفافية المشتريات، لا لأنّها اعتنقت التغيير، بل لأنّها باتت المداخلَ الحتميّة لاستعادة أيّ تواصلٍ مع الخارج. ومع ذلك، لم يتغيّر موقفُها الإستراتيجيّ في جوهره. فعندما لامست الإصلاحاتُ تركُّزَ الثروة، أو توزيعَ الخسائر، أو المساءلةَ عن الممارسات السابقة، أعادت الشبكاتُ القديمةُ تفعيلَ نفسها لتخفيف الإصلاحات، أو تأجيلها، أو حَرفِها عن مسارها. لقد امتثلت النخبةُ الماليّة حيث كانت الكلفةُ عليها ضئيلة، وناورت حيث كانت مصالحُها الحيويّة مهدَّدة.

الإصلاح الانتقائيّ: نافذة أوسع… لا أعمق

لم تُنتِج التحوّلاتُ الثلاثة، «الفيتو الظرفيّ» لدى حزب الله، واشتراطاتُ الجهات الدوليّة المؤمْنَنة أمنيًّا، وامتثالُ النخبة الماليّة التكتيكيّ، إصلاحًا بنيويًّا؛ ما أنتجته هو إصلاحٌ انتقائيّ. فقد قام لبنان، أخيرًا، بتعديل قانون السرِّيَّة المصرفيّة، وتعزيز معايير مكافحة تبييض الأموال، وتحديث قواعد المشتريات العامّة. وهذه إنجازاتٌ حقيقيّة، كان يمكن لها، في ظروفٍ أخرى، أن تُشكّل إشارةً إلى ورشة إصلاحيّة أوسع في الحَوْكَمَة. غير أنّها في السياق الحاليّ تمثّل التنازلاتِ الأقلَّ كلفةً على الفاعلين الثلاثة، والأقلَّ تهديدًا لمصالحهم الراسخة، والأكثرَ فائدةً لجهاتٍ دوليّة تسعى إلى تعزيز القدرة على الرصد الماليّ وتضييق الهامش الأمنيّ المحيط بحزب الله.

ومع ذلك، لم يُمَسّ أيٌّ من الأعمدة البنيويّة لأزمة لبنان. توزيعُ الخسائر ما زال معلَّقًا. المودعون بلا حماية. النظامُ الضريبيّ ما زال رجعيًّا. معالجةُ أوضاع المصارف متوقّفة. والمساءلة القضائيّة غائبة. وهذه هي بالضبط الإصلاحات التي من شأنها إعادة توزيع السلطة والثروة والمسؤوليّة في الاقتصاد السياسيّ اللبنانيّ، وهي بالضبط الإصلاحات التي لا يرغب أيٌّ من الفاعلين الثلاثة في الولوج إليها. فحزب الله يراها مُزعزِعةً للاستقرار؛ والجهات الدوليّة تُصنّفها ثانويّةً أمام الأهداف الجيوسياسيّة؛ أمّا النخبة الماليّة فترى فيها تهديدًا وجوديًّا.

نحو ميثاق إصلاح قائم على السيادة

إذا أراد لبنان أن يتجاوز الإصلاح الانتقائيّ، فهو بحاجةٍ إلى مواءمةٍ بين الإرادة المحلِّيَّة، وتراجع القُدرة على التعطيل، وضغطٍ خارجيّ ذي صدقيّة. ويمكن لهذه المواءمة أن تتجسّد في ميثاقٍ إصلاحيّ يرتكز إلى السيادة والعدالة. السيادة، لأنّ لبنان لا يمكن أن ينهض على قاعدة انتهاكٍ خارجيّ و«فيتو» مُوازٍ للدولة. والعدالة، لأنّ أيّ إصلاح لن يكون شرعيًّا إذا بقي المواطنون يتحمّلون كلفته فيما يفلت أصحاب النفوذ من العقاب.

ويبدأ الميثاقُ الإصلاحيّ الحقيقيّ بتوزيعٍ عادل للخسائر. يجب الاعترافُ بالخسائر الماليّة بشفافية وتوزيعُها بإنصاف، كما ينبغي حمايةُ صغار المودعين، فيما تتحمّل المصارفُ والدائنون الكبار حصّتهم الفعليّة. ويُعَدّ قانونُ معالجة أوضاع المصارف، المُزوَّد بآليّاتٍ قابلة للتنفيذ، عنصرًا لا غنى عنه. فمن دون تسويةٍ عادلة للانهيار الماليّ، لا يملك أيّ إصلاح صفةَ الشرعيّة.

أمّا الركنُ الثاني فهو إعادةُ ترميمٍ ماليّةٌ ذات طابع تصاعديّ، بحيث لا يمكن للنظام الماليّ في لبنان أن يواصل الاعتماد على جبايةٍ رجعيّةٍ وعلى الضرائب غير المباشرة. لا بدّ من فرض ضرائب على الثروة والملكيّات، وتحديث آليّات استرداد ضريبة القيمة المضافة، وإعادة بناء قدرة الدولة على تحصيل الإيرادات بطريقةٍ تعكس الدخل، لا الامتياز السياسيّ. فالعدالةُ الضريبيّة ليست مسألةً تقنيّة... إنّها مسألة سياديّة.

الركنُ الثالث هو المساءلةُ الفاعلة حقًّا. تحتاج هيئاتُ الرقابة إلى موازنات، وموظّفين، واستقلاليّة. يجب نشرُ نتائج التنفيذ، كما ينبغي للفسادُ والانتهاك أن يصبحا أمرًا ظاهرًا، قابلًا للعقاب، وذا كلفة. فالإصلاحُ بلا مساءلة ليس سوى عرضٍ أدائيّ، لا تحوُّلًا فعليًّا.

وينبغي أن يكون الأمنُ جزءًا من الميثاق، لكن بوصفه شريكًا للعدالة، لا بديلًا عنها. فتعزيز الجيش اللبنانيّ، وتقنين بروتوكولات التنسيق مع اليونيفيل، ونشرُ بياناتٍ شفّافة عن مصادرات الأسلحة، كلّها عناصر مهمّة. لكن لا يمكن للأمن أن يكون العُملة الوحيدة للإصلاح. فالدولةُ السياديّة ليست تلك التي تضبط السلاح فحسب؛ بل تلك التي تفرض الضرائب بعدل، وتحمي الحقوق، وتُقدّم الخدمات.

تتابُعُ المراحل مهمّ 

سوف تفشل المخطّطاتُ الكبرى إذا لم تتمكّن الدولةُ أوّلًا من تحقيق انتصاراتٍ صغيرة ومرئيّة. فالشرعيّة في بلدٍ أنهكته الوعودُ تُستعاد عبر دلائل ملموسة على الحياة المؤسّسيّة. ويتطلّب ذلك تطبيق القوانين القائمة بميزانيّاتٍ حقيقيّة وموظّفين فعليّين، لا عبر بياناتٍ رمزيّة. يجب إحياءُ هيئات الرقابة ونشرُ نتائج تحقيقاتها بدلًا من طمسها.

ويجب أن تبدأ إعادةُ الإعمار في المناطق المتضرّرة من الحرب في وقتٍ مبكر، حتّى بموارد متواضعة: إزالة الأنقاض، ترميم الأسقف قبل الشتاء، وإعادة فتح المدارس والعيادات. وبالتوازي مع ذلك، ينبغي للدولة أن تُحدّث واجهاتها مع المواطنين، من الإقرار الضريبيّ إلى تسجيل الأعمال وإجراءات المحاكم، وذلك في سبيل تقليل الفساد وإثبات أنّ الكفاءة ممكنة من دون وسطاء الزبائنيّة.

والأهمّ، يجب أن يصبح الإصلاحُ مرئيًّا في الساحة الأمنيّة. ينبغي للجيش أن ينشر لوحاتٍ شهريّة تشمل المصادرات، وعمليّات التسليم، وعمليّات التطهير الآمن. وهذا ليس تفصيلًا تقنيًّا؛ بل فعلٌ سياسيّ يُظهر الحضور والشفافية وحماية الجنود والمدنيّين على حدّ سواء.

ولا شيء من هذه الخطوات تقنيّ بحت. إنّها إشاراتٌ سياسيّة تؤكّد أنّ المؤسّسات قادرةٌ على العمل، وأنّه يمكن الإيفاء بالوعود، وأنّ الإصلاح أكبرُ من أن يكون شعارًا. وإذا أُنجزت جيِّدًا، فهي تُولِّد زخمًا، وتوسّع الائتلافات، وتجعل الإصلاحات الأصعب قابلةً للتصوّر.

الخيار المطروح

إنّ تاريخ لبنان الإصلاحيّ هو تاريخ امتثالٍ انتقائيّ: يطلب المانحون، تُقدّم النخبُ تنازلاتٍ إجرائيّة، يدفع المواطنون الثمن، ويستمرّ النظام. والخطر اليوم هو أن يتكرّر هذا النمط في صيغةٍ جديدة: إصلاحاتٌ أمنيّة أوّلًا تُغيّر القوانين ولا تُغيّر الحياة.

ومع ذلك، لا يمكن عدّ المشهد ميؤوسًا منه. إنّ نافذة الأزمة أوسعُ ممّا كانت، ولاعبو حقّ النقض أضعف ممّا كانوا عليه، والمرتكزاتُ الخارجيّة أكثرُ وضوحًا مقارنةً بالأمس. غير أنّ ما ينقص هو الاتّساع: شجاعةُ التأكيد أنّ السيادة تشمل العدالة، وأنّ الاستقرار يحتاج إلى الإنصاف، وأنّ الإصلاح يجب أن يعني إعادةَ توزيع.

إنّ الخيار صارخ: إصلاحٌ بوصفه أداءً، أو إصلاحٌ بوصفه تحوّلًا. يمكن لقيادات لبنان، ولشركائه في الخارج، أن تكرّر الدورةَ أو أن تكسرها. النافذةُ مفتوحة، وإن لم تعبر العدالةُ من خلالها الآن، فقد تُغلق لسنوات.



أعدّته مبادرة سياسات الغد بالتعاون مع مؤسّسة فريدريش إيبرت (FES). يعكس المقال آراء المؤلّف ولا يعكس بالضرورة آراء مؤسّسة (FES). يستند هذا المقال إلى التقرير المعنون "Beyond Security Fixes: Toward a sovereignty-based reform pact in Lebanon"

From the same author

view all

More periodicals

view all
Search
Back to top