The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
03.26.22

استغلال الفقر: البلديات وطلبات المساعدات المستهدفة للفقر

سامي زغيب,
وسيم مكتبي,
سامي عطا الله

فشلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على مرّ السنين في تبنّي سياسة وطنية للحماية الاجتماعية تضمن توفير الخدمات الأساسية، فنجم عن ذلك نظامُ حماية اجتماعية مُجزَّأ تشوبه عيوب هيكلية كثيرة، ما ولّد فجوة غير مسبوقة بين الاحتياجات المتزايدة والموارد المتاحة. وقد استغلّت النخب السياسية هذا الواقع لاستغلال ضعف الناس وحاجتهم، متعمّدةً الإطاحة بكلّ الجهود الرامية إلى وضع الاقتصاد على مسار مستدام.1  وقد تأثّرت سُبُل المعيشة في لبنان تأثراً شديداً بالأزمات المالية والاقتصادية المتراكمة، حيث بات أكثر من نصف سكان لبنان يعيشون حالياً في حالة فقر، في حين يعاني ثلثهم من الفقر المدقع.2 

وليس مُستغرَباً أن تقوم المؤسسات السياسية اللبنانية بمعالجة الأزمة بطريقة غير مستدامة وعشوائية. فهي تعتمد على برنامج شبكة الأمان الاجتماعي للحالات الطارئة المموّل من البنك الدولي، والذي يستعين برؤوس أموال أجنبية لإقامة شبكة أمان اجتماعي. وهذه المُقاربة ليست غير كافية فحسب، نظراً إلى تزايد هشاشة وضع السكان، بل إنها تخدم المصالح الذاتية إذ تسمح للنخبة السياسية بتعزيز علاقتها الزبائنية بقواعدها الانتخابية، من خلال تقديم خدمات للناس مقابل كسب ولائهم السياسي. فمن شأن تدفّق المساعدات هذا أن يمنح النخبة السياسية فرصةً لاستعادة بعض قنواتها الزبائنية المفقودة، وإعادة تثبيت نفسها بوصفها حامية للطائفة.

ومن الأدلّة الأخرى على هذه الظاهرة طلبات المساعدة المرفوعة إلى برنامج التكافل الاجتماعي الوطني التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، وهو برنامج مساعدات نقدية ممتدّ على ستة أشهر، أطلقته الحكومة في  خلال جائحة كوفيد-19

فالبيانات المتعلّقة بطلبات المساعدة المُقدَّمة عبر منصّة البلديات المشتركة للتقييم والتنسيق والمتابعة IMPACT توفّر أدلّة عملية حول الطرق التي تحاول بها الأحزاب السياسية استغلال هذا الوضع3

تظهر البيانات المستقاة من منصّة IMPACT أن عدد طلبات المساعدة المرفوعة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية قد زاد باطّرادٍ في العام الماضي مقارنةً بالسنوات السابقة. ومنذ إطلاق استمارة المساعدات الاجتماعية على المنّصة في نيسان/أبريل 2020، قدّمت البلديات 468662 طلب مساعدة  - ما يعكس زيادة بأكثر من ثلاثة أضعاف، مقارنةً بإجمالي طلبات المساعدة بين العامَين 2012 و 52015.  مع ذلك، تكشف نظرة فاحصة في كيفية استخدام البلديات المنصّة أن معظم الاستمارات المقدّمة من خلالها اندرجت ضمن فئة استمارات المساعدة، إذ اقتصرت نسبة 90 في المئة على الأقلّ من أنشطة 16 في المئة (158) من البلديات على المنصّة بشكل تام على التقدّم بطلبات للاستفادة من المساعدات الاجتماعية التي توفّرها وزارة الشؤون الاجتماعية

البلديات التي تسيطر عليها الأحزاب التقليدية تقدّم العدد الأكبر من طلبات المساعدة 
في المتوسّط، تتقدّم البلديات التي تسيطر عليها الأحزاب السياسية التقليدية بعدد أكبر من استمارات المساعدة الاجتماعية، نسبةً إلى عدد سكانها، مما تتقدّم به البلديات التي تديرها الأُسَر أو البلديات المستقل وبالفعل، من بين البلديات البالغ عددها 1002 التي استهدفتها الدراسة، تبيّنَ أن الأحزاب السياسية التقليدية تسيطر على 414 بلدية منها (41%)، وقد تقدّمت هذه البلديات بالنسبة الأكبر من طلبات المساعدة الاجتماعية الخاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية على المنصّة (59 في المئة من إجمالي الطلبات). أما البلديات المتبقّية البالغ عددها 588 بلدية، والتي يسيطر عليها المستقلّون أو الأُسَر، فقدّمت 172212 طلباً (41%). تركَّزَ إذاً نشاط تقديم هذه الطلبات أكثر لدى البلديات التي تهيمن عليها الأحزاب السياسية التقليدية.

كما ذكرنا، تتقدّم الأحزاب السياسية التقليدية التي تسيطر على البلديات، في المتوسّط، بعدد أكبر من استمارات المساعدة، نسبةً إلى عدد السكان، مما تتقدّم به البلديات التي تديرها الأُسَر أو البلديات المستقلّة. وهذه النتيجة 

تبقى على حالها حتى عند الأخذ في الاعتبار مستوى نمو البلديات 6 وخصائصها الجغرافية7.  ويشير هذا الأمر إلى أن الأحزاب السياسية التقليدية استخدمت هذه الطلبات أدواتاً لتعزيز الزبائنية إرضاءً لناخبيها.

ومن بين الأحزاب السياسية التقليدية الرئيسة، تقدّم حزب الله وحركة أمل بطلبات أكثر بكثير مما تقدّمت به البلديات التي تديرها عائلات أو أشخاص مستقلّون8.  وبينما تُعرَف في الغالب قنوات التوزيع غير الرسمية لحزب الله بأنها الأكبر في البلاد، تشير البيانات إلى أنه واحداً من الأحزاب التي استفادت أكثر ما استفادت من مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية. وهذا يعني أن التوزيع القائم على الزبائنية بواسطة القنوات الحكومية يظلّ هدفاً رئيساً للأحزاب السياسية، حتى ولو أُنشِئَت قنوات غير رسمية عند نضوب الموارد العامة. 

لا تخفى العيوب الكبيرة التي تشوب نظام الاقتصاد السياسي الفاشل في لبنان على أحد. فالطبقة السياسية لا تكتفي بعرقلة أيّ جهد للإصلاح فحسب، بل تستفيد أيضاً من ضعف الناس وحاجتهم تحقيقاً لمآربها السياسية الخاصة. وتتعاظم محاولات زعماء الطوائف لاستعادة شرعيتهم السياسية مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، التي يعتبرها العديد من مجموعات المعارضة في البلد فرصةً حقيقيةً للتغيير. 

يبقى إطار العمل العادل والفعّال والشامل للحماية الاجتماعية في لبنان السبيلَ الرئيس إلى إحداث تغييرٍ مستدام، إذ من شأنه أن يسمح للمواطنين بأن ينأوا بأنفسهم عن أيّ ارتباطات طائفية، ويعودوا إلى كنف الدولة. وعليه، من الضروري أن يعطي صانعو السياسات المحليون، ومجموعات المجتمع المدني، ومجتمع المانحين، الأولويةَ لوضع استراتيجية وطنية شاملة للحماية الاجتماعية تضمن حقّ جميع شرائح المجتمع في الحصول على السلع والخدمات الأساسية.

 


  1.   وسيم مكتبي وسامي زغيب. 2022.  “The Art of Inaction: How the political establishment maintained its political economy model during the financial crisis”. مبادرة سياسات الغد.
  2.  لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) 2021. "الإسكوا تدق ناقوس الخطر: الفقر يطال أكثر من ثلاثة أرباع السكان في لبنان". بيان صحفي
  3. وسيم مكتبي، وسامي زغيب، وسامي عطالله، ومنير مهملات. 2021. “Reenergizing Clientelist Channels: Which Municipalities Abused Aid Forms?”. مبادرة سياسات الغد
  4. يشمل هذا العدد الطلبات المقدّمة من بلديات غير محدّدة (4043).
  5. رئاسة مجلس الوزراء. كانون الثاني/ديسمبر 2016. "البرنامج الوطني لدعم الأُسَر الأكثر فقراً – التدقيق الفني
  6.   المضبوطة باستخدام مؤشّر كثافة الضوء ليلاً Night-Time Light Intensity (2020)، والإيرادات المباشرة للبلدية (2008).
  7.   المضبوطة باستخدام متغيّر وهمي لكل منطقة. النتائج ذات دلالة إحصائية عند مستوى ثقة يبلغ 90 في المئة.
  8.   النتائج ذات دلالة إحصائية عند مستوى ثقة يبلغ 95 في المئة.

 

From the same author

view all

More periodicals

view all
Search
Back to top