The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
03.08.23

من قروض الحريري إلى عهد عون الجاف

تاريخ لبنان مع المساعدات الدولية

منير مهملات,
سامي عطا الله,
سامي زغيب

تشكّل المساعدات الإنمائية الدولية إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد السياسي في لبنان بعد الحرب.2 وتهدف المساعدات الإنمائية التي تقدّمها عدّة وكالات دولية وحكومات ومؤسسات تابعة لها إلى توفير الدعم عندما تكون موارد الحكومات غير كافية. وقد قدّمت مجموعة كبيرة من الدول مليارات الدولارات للحكومة اللبنانية وإداراتها لدعم مختلف القطاعات الاقتصادية، لا سيّما لأغراض إعادة الإعمار، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز المؤسسات الأمنية، ومنح المساعدات الإنسانية، وغيرها الكثير. وبالتالي، كان لهذه المبالغ المالية الضخمة تأثير مهم على الحياة السياسية المحلية، وتطوير المؤسسات الوطنية، وعلى أنماط الفساد والتواطؤ بالتأكيد، هذا غالباً ما ينطوي صرفها على شروط أكثر أو (في الكثير من الأحيان) أقل صرامةً


هذه المقالة هي الأولى من بين سلسلةٍ ترمي إلى تحليل مجموعة بيانات جديدة حول جميع اتفاقيات القروض والمِنح التي وافقت عليها البرلمانات والحكومات اللبنانية المتعاقبة بعد الحرب الأهلية.3  مجموعة البيانات هذه التي جمعتها مبادرة "غربال" وأتاحتها بوفرة جميع المساعدات الدولية التي تمّ تسجيلها كقانون أو مرسوم ونُشرت في الجريدة الرسمية. غير أنها لا تشمل المِنح والمساعدات التي قُدّمت إلى المؤسسات غير الحكومية والتي لم تُسجّل في الجريدة الرسمية، أو تلك المقدّمة كمساهمات عينية وتبقى مستثناة حتى الآن.4 كما أننا لا نستطيع معرفة أي جزء من هذه المِنح والقروض تمّ صرفه أو سداده بشكلٍ مؤكد. وعلى الرغم من ذلك، توفّر مجموعة البيانات هذه نظرةً أوّليةً شاملةً حول الأنماط طلب فيها الحكومات - وعرض فيها الجهات المانحة - المساعدة الدولية

نلاحظ أن المبالغ المقدّمة وعناصر اتفاقيات القروض والمِنح تختلف باختلاف الفترات الزمنية. ففي فترة ما بعد الحرب التي سيطر فيها رئيس الوزراء رفيق الحريري إلى حدٍ كبير، جاءت المساعدات الإنمائية في معظمها على شكل اتفاقيات قروض. أما الحكومات المتعاقبة بعد عام 2011، فقد طلبت حصصاً أكبر من المِنح غير القابلة للسداد، وتلقّت الحكومة بقيادة رئيس الوزراء تمام سلام الحصة الأكبر من هذه المِنح. واختلفت أشكال المساعدات أيضاً مع اختلاف الولايات الرئاسية. ففي عهد الرئيس ميشال عون مثلاً، حصل لبنان على مساعداتٍ أقل مقارنةً بالولايات الرئاسية الأخرى، حتّى أقل من تلك التي حصل عليها خلال الفترات التي سادها الفراغ الرئاسي. وبالتالي، يُشير هذا الامخفاض في التمويل إلى نقلة نوعية في المساعدات الدولية في السنوات الأخيرة. وفي ظل عدم استيفاء شروط المساعدات المالية وسط الشلل السياسي وعدم إحراز أي تقدّم فعلي من حيث الإصلاحات، حوّلت الجهات المانحة التمويل من المساعدة المالية إلى التبرعات العينية والدعم المباشر للمنظّمات غير الحكومية


القروض والمنح على مدى 30 عامًا

وقّعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة 714 اتفاقية بين عام 1991 وعام 2022 بلغت قيمتها نحو 22.6 مليار دولار (معدلة بحسب التضخم، وفق أسعار عام 2021) جاء 40% منها (أي 8.9 مليار دولار) على شكل مِنح و60% منها (أي 13.7 مليار دولار) على شكل قروض. وفي حين أنّ عدد اتفاقيات القروض أقلّ من نصف عدد اتفاقيات المِنح، كانت مبالغ القروض أكبر في المتوسط، حيثُ بلغت قيمة أكبرها أكثر من 0.5 مليار دولار. وتُعدّ هذه المبالغ ضخمة بالنسبة إلى اقتصاد صغير مثل الاقتصاد اللبناني، إذ مثّلت أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في عامَي 1991 و2014، وأكثر من 6% في عامَي 1995 و2007. 


الجدول الاول: المساعدات الإنمائية الدولية من عام 1991 ولغاية عام 2022 (بملايين الدولارات الأمريكية، وفق أسعار عام 2021)
المصدر: الجريدة الرسمية اللبنانية، مبادرة "غربال"، البنك الدولي 
الشكل الاول: المساعدات الإنمائية الدولية بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي الوطني وعدد الاتفاقيات المبرمة

تعكس الطريقة التي تُمنح بها المساعدات الإنمائية التطورات السياسية في تاريخ لبنان المتقلّب بعد الحرب. فثمّة خمس فتراتٍ مختلفة نال فيها لبنان المساعدات الدولية. تميّزت حقبة ما بعد الحرب وحتّى انسحاب القوات السورية في نيسان/أبريل 2005 بالاعتماد الشديد على القروض، ما يعكس نموذج النمو الذي اتّبعته الحكومات المتعاقبة في عهد رئيس الوزراء رفيق الحريري. ففي خلال تلك الفترة، طلب لبنان مساعداتٍ دولية تتجاوز قيمتها 7.6 مليار دولار اتخذت نسبة 87% منها تقريباً شكل القروض. ووسّعت الحكومات المتعاقبة ما بعد الحرب محفظة اتفاقياتها في كلّ عام، ما أدّى إلى ارتفاع عدد الاتفاقيات باطراد من 6 اتفاقيات في عام 1992 إلى 40 اتفاقيةً في عام 2000


وفي الفترة الممتدة بين اغتيال الرئيس رفيق الحريري وثورة الأرز اللاحقة عام 2005 واندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، برزت المساعدات على شكل مِنح بشكلٍ أكبر. وبلغت قيمة اتفاقيات القروض نحو 2 مليار دولار، يقابلها مبلغ مماثل وفّرته اتفاقيات المِنح. واستجابةً للصراع مع إسرائيل في عام 2006 بشكلٍ جزئي، تعهّدت الجهات المانحة بتقديم مِنح مختلفة لإعادة الإعمار وأيضاً للمساعدة الفنية في التنمية الإدارية 


وبعد عام 2011 وحتّى عام 2016 تقريباً، أصبحت القضايا الأمنية وأزمة اللاجئين تشكّل الشواغل الرئيسية في لبنان. وأدّت الكميات الكبيرة من المساعدات المقدّمة للجيش اللبناني بالإضافة إلى دعم الاستجابة لأزمة اللاجئين إلى زيادة حصّة المِنح إلى أكثر من ثلثي المساعدات الدولية الإجمالية. فخلال تلك الفترة، جرى التعهّد بتقديم أكثر من 8 مليارات دولار، على الرغم من الفترات الطويلة من الشلل السياسي


 وفي عام 2016، تغيّر هذا النمط مرّةً أخرى بعد فراغٍ رئاسي دام عامين وسياسات "مصرف لبنان" التي كشفت عن الوضع المالي السيئ للدولة اللبنانية.5 فغيّرت الجهات المانحة الدولية موقفها وانتهجت6 مقاربةً أكثر صرامةً تجاه لبنان تقضي بتنفيذ الإصلاحات كشرطٍ مسبق لصرف المساعدات، وقامت بخفض المبلغ الإجمالي إلى ملياري دولار. فعلى سبيل المثال، لم يتمّ استيفاء الشروط لصرف المبالغ التي تمّ التعهد بتقديمها خلال مؤتمر "سيدر" المنعقد عام 2018، ممّا أدّى إلى صرف مبالغ قليلة جداً. وبعد المظاهرات الحاشدة واندلاع الأزمة المالية في عام 2019، خفّضت الجهات المانحة التزاماتها المالية مع مؤسسات الدولة إلى أقل من مليار دولار. بالتالي، ومع انخفاض عدد الاتفاقيات من 74 في عام 2014 إلى 3 فقط في عام 2020، تحوّلت المساعدات إلى عمليات المساعدة الإنسانية لمعالجة تداعيات الأزمة، مثل برنامج التحويلات النقدية الخاص بالبنك الدولي. كما باتت برامج الجهات المانحة "تتمحور حول الناس" وتهدف بشكلٍ متزايد إلى تقديم الدعم الموجّه على شكل مساهمات عينية أو دعمٍ مباشر للمؤسسات غير الحكومية. والجدير بالذكر أنّه على الرغم من تخلّف الحكومة عن السداد في عام 2019 والمخاطر الائتمانية الكبيرة المرتبطة بقدرة الخزانة على السداد، استمرت الجهات المانحة بتقديم القروض لقضايا ملحّة متنوعة بلغت قيمتها أكثر من 650 مليون دولار حتى عام 2022


الشكل 2: المبلغ والحصّة من القروض والمِنح على امتداد فترات‎ 



بين قروض الحريري ومنح سلام

يُنظر إلى شخص رئيس الوزراء على نطاق واسع على أنه عامل مهم في جذب المساعدات. ويمكن أن تكون جداول أعماله أو جداول أعمال حكومته متوافقةً إلى حدٍ ما مع أولويات الجهات المانحة الدولية، أو يمكن أن يكون لديه علاقات تسمح له بطلب المِنح والقروض بصفة شخصية. وبالفعل، لدى رؤساء الوزراء ورؤساء الجمهورية اللبنانية سجّل مختلط في طلب المِنح والقروض. وفي حين كانت حكومة رئيس الوزراء سلام هي الحكومة التي جذبت العدد الأكبر من المِنح التي وصلت قيمتها إلى أكثر من 5.1 مليار دولار، قبلت الحكومات في عهد الرئيس رفيق الحريري المبلغ الأكبر من القروض، إذ وصلت قيمتها إلى نحو 5 مليارات دولار


ومع ذلك، فإنّ تعديل هذه المبالغ بحسب الأشهر التي يقضيها رئيس الوزراء في منصبه يُظهر أن رؤساء الوزراء يختلفون أكثر من ناحية قدرتهم على التماس المِنح وليس القروض. فيتفوّق رئيس الوزراء سلام على جميع رؤساء الوزراء الآخرين من ناحية بطلبه مِنح قدرها 148 مليون دولار شهرياً أثناء شغله منصبه، أي أكثر من 4 أضعاف ما استطاع التماسه رئيس الوزراء فؤاد السنيورة الذي يحتل المركز الثاني. لكن الاختلافات بين رؤساء الوزراء أصغر بكثير من ناحية القروض. فباستثناء حكومة رئيس الوزراء الصلح بعد الحرب الأهلية، أنجز جميع رؤساء الوزراء اتفاقيات قروض تتراوح بين 25 و40 مليوناً شهرياً خلال عهدهم



الشكل الثالث: المِنح والقروض بحسب ولايات رؤساء الوزراء، القيمة الإجمالية والقيمة المعدّلة لكل شهرٍ من العهد، بملايين الدولارات الأمريكية 

المساعدة مع أو بدون رئيس
في حين أن رئيس الوزراء هو المسؤول عن تحديد برنامج الحكومة، يُشارك رؤساء الجمهورية أيضاً في وضع الأولويات الاستراتيجية، لا سيّما في ما يتعلق بالعلاقات الدولية. وبالتالي، إن تحديد اتفاقيات المساعدات التي أبرمها رؤساء الجمهورية اللبنانية يُظهر صورةً متناقضة بالقدر نفسه. ففي عهد الرئيس ميشال سليمان (2008-2014)، كان تمكّنت الحكومات اللبنانية من طلب أكثر من 4 مليارات دولار على شكل مِنح، أي أكثر من جميع الفترات الرئاسية الأخرى. وخلال ولاية الرئيس الهراوي (1989-1998) وولاية الرئيس لحود (1998-2007)، وقّعت الحكومات على معظم اتفاقيات القروض. ولكن خلال ولاية الرئيس ميشال عون (2016-2022)، طلبت الحكومات مساعدات دولية أقل ولا سيّما القليل من المساعدات على شكل مِنح. وبناءً على ذلك، بلغت نسبة القروض إلى المِنح أكثر من 80% تقريباً كما كانت خلال فترة ولاية الرئيس الياس الهراوي بعد الحرب الأهلية (90% تقريباً). وعلى الرغم من أنّ الحكومات هي حكومات تصريف أعمال فحسب في ظل الفراغ الرئاسي، تمكنت من توقيع اتفاقيات تصل قيمتها إلى أكثر من 3.5 مليار دولار في غياب رؤساء الجمهوري


الشكل الرابع: المبلغ والحصّة من القروض والمِنح في خلال الولايات الرئاسية المختلفة 


نظراً لأهمية المساعدات الإنمائية الدولية التي تُقدّم إلى الاقتصاد السياسي في لبنان، تعكس القروض والمِنح الواردة تاريخ لبنان المتقلّب بعد الحرب الأهلية. واليوم، في سياق الأزمة، ستكون المساعدات الدولية أكثر أهميةً من أي وقتٍ مضى لتوفير الموارد التي ستفتقر إليها الحالشكل 2 العديد من المجالات الأخرى. ووسط الشلل السياسي الذي طال أمده والمخاوف بشأن الفساد وسوء إدارة الأموال، من المرجّح أن يظل سياسيو لبنان ونخبته غير قادرين أو غير راغبين في الوفاء بالشروط اللازمة لصرف المساعدات التي يمكن أن تضاهي المستويات السابقة وتساعد في معالجة التداعيات الفادحة للأزمات الحالية.7 


1. The authors would like to thank Assad Thebian, founding director of Gherbal Initiative, for sharing the data with TPI as well as Najib Zoughaib and Wassim Maktabi for excellent research support.

2. Leenders, R., Spoils of Truce: Corruption and State-Building in Postwar Lebanon, Ithaca: Cornell University Press, 2012; Makdisi, S., The Lessons of Lebanon - The Economics of War, London: I.B. Tauris, 2004; Zahar, M.-J., Power Sharing in Lebanon: Foreign Protectors, Domestic Peace, and Democratic Failure, in Sustainable Peace: Power and Democracy After Civil Wars, P. G. Roeder and D. Rothchild, Eds., Ithaca and London: Cornell University Press, pp. 219–40, 2005.

3. Most loan and grant agreements with international institutions and foreign governments need to be accepted in the form of laws. As parliament accepts these laws, they are published in Lebanon’s Official Gazette, the governmental journal all legislation has to be published in to take effect and become legally binding. Based on these laws and decrees, we observe the details of the funding agreement, the funding agency, the grantee, the amount, the sector, and other details.

4. LBCI (2023) “Lebanon's mismanagement of internal and external grants since 1993”, Available at: https://www.lbcgroup.tv/news/news-bulletin-reports/690774/lebanons-mismanagement-of-internal-and-external-gr/en

5. We exclude in-kind donations from this view, as these take various forms and often cannot be attributed to an exact monetary value.

6. World Bank (2016) “Lebanon Economic Monitor – The great swap” The World Bank, Washington DC.

7. Deutsche Welle (2020) “Beirut Blast: Donors want reforms in return for aid”. 

8. Note that our dataset includes all laws and decrees that have been published in the Official Gazette until the end of 2022. Since some legislation is published with delay after their contractual agreements, our dataset might miss out on agreements that were signed towards the end of 2022 but were not yet published or published in 2023 only. 

From the same author

view all

More periodicals

view all
Search
Back to top