The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
05.05.22

سياسات عامة أقرب للشعب: إطلاق مبادرة سياسات الغد

سامي عطا الله
فيما ينهمك المرشحون في الاستعداد للانتخابات النيابية اللبنانية للعام 2022، يسود انطباع خاطئ عن عمل مؤسساتنا الانتخابية. ومع أنّ الدستور يحتّم إجراء الانتخابات كل أربعة أعوام، تضطلع هذه الانتخابات بدورٍ أساسي بالنسبة للنخبة الحاكمة التي تعتبرها وسيلة لاستعادة شرعيّتها والإبقاء على النظام السياسي الحالي كما هو عليه، ولاسيّما بعد [ما شهده لبنان] من انتفاضات في العام 2019، والانهيار المالي، وانفجار مرفأ بيروت. أما أحزاب هذه النخبة الحاكمة السياسية، التي تخضع لقيادة الزعيم، فتبني حملاتها الانتخابية سواء على إصلاحات ستبقى حبرًا على ورق، والتاريخ خير شاهد على ذلك، أو على مسائل بالكاد تتطرّق إلى حاجات الناخبين الرئيسية وأولياتهم. فالحملات تهدف إلى حشد الناخبين وحثّهم على الاقتراع وفقًا للانقسامات الطائفية والزبائنية، في ظلّ نظامٍ انتخابي تمّ تصميمه على مقاس النخبة الحاكمة، يسيطر فيه حكم الأكثرية على التمثيل النسبي؛ نظام تتفشّى فيه الرشوة للتأثير على السلوك الانتخابي، ويتغلغل فيه الترهيب والخطاب الطائفي والتحيّز الإعلامي. وفورًا بعد انتهاء الانتخابات، سوف تتّفق هذه النخبة الحاكمة تحت الطاولة على اسم رئيس الحكومة وعلى الصيغة الحكومية، فترفع قرارها إلى النوّاب كي يطلقوا عجلةً العملية الدستورية. 

وها قد وصلت هذه المسرحية السياسية إلى نهايتها. وبالفعل، ما عاد هذا الأداء المسرحي يصلح لتمثيل الطوائف كما كان من المفترض أن يحصل بالاستناد إلى اتفاق الطائف للعام 1989، وما عاد يولّد التنمية والاستقرار. ففي الواقع، لقد عمد النظام إلى تفقير مواطنيه من كل الطوائف، وحرمانهم من حقوقهم ومن العدالة الاجتماعية. والأسوأ هو أنه يقتل شعبه كل يوم. ومنذ أقل من أسبوعين، بسبب عجز هذا النظام على توفير الكهرباء للمنازل والشركات، وعلى تأمين الأدوية للمستشفيات، وصل اليأس ببعض المواطنين، صغارًا وكبارًا، إلى حدّ القفز على متن زورق من على شواطئ مدينة طرابلس هربًا من واقع الفقر المدقع المرير، إلا أنّ الجيش اللبناني لاحق الزورق الذي انتهى به المطاف بالغرق، ما تسبّب بمقتل 6 أشخاص وفقدان ثلاثين آخرين إلى حين كتابة هذا المقال. 

فيما بقي النظام السياسي على مرّ الأعوام متأرجِحًا بين التواطؤ والشلل في ثنائية تضرّ برفاه المواطنين، برزت أربع سمات أساسية له. أولًا، اعتمدت النخبة الحاكمة مجموعة من السياسات المالية والقطاعية التي لا تعود بالفائدة إلا على القلّة، ولاسيّما القلّة ذات النفوذ السياسي، على حساب القطاعات الإنتاجية. وحتى مع الانفجار المالي الداخلي الذي يشكّل نتيجة مباشرة لسياساتها، بقيت هذه النخبة على رفضها إجراء أو حتى النظر في التدابير الضرورية، واختارت عوضًا عن ذلك أن ترمي بتكلفة هذا الانهيار على عاتق المجتمع من أجل إنقاذ نفسها. وثانيًا، فشلت في إجراء أي إصلاحات لئلّا تضرّ بمصالحها الخاصّة. وعلى الرغم من الدعم الدولي التي حظيت به منذ مؤتمر باريس 1 في العام 2001 على الأقل لتنفيذ الإصلاحات، لم تبصر تلك الإصلاحات النور في النهاية. وثالثًا، على الرغم من كل الاختلافات، تمكّنت النخب، وبمهارة عالية، من التنسيق بين مختلف صفوفها بهدف تقويض المنظمات السياسية والاقتصادية الموجودة والناشئة، بما فيها الاتحادات والنقابات العّمالية التي تسعى إلى ضمان حقوق المواطنين والتصدي لنظام الزبائنية والمحسوبية النخبوي. وأخيرًا، لا تزال النخبة الحاكمة ترفض مساءلة أي من أعضائها، حتى الأخصام، على أي من أفعالهم. وبشكل خاص، لم تتوانَ عن عرقلة التحقيق في مرفأ انفجار بيروت، وتستمرّ في حماية كل من أسهم في الانفجار المالي الداخلي الذي بسببه يرزح أكثر من 80% من اللبنانيين تحت خط الفقر.

باختصار، النظام السياسي والاقتصادي الذي بُني عليه لبنان عاجز عن معالجة نفسه، والأحزاب الحاكمة غير قادرة على تصوّر بديل جديد، ناهيك عن إجراء الإصلاحات، لا بل إنها لن تألو جهدًا في تأخير أو إضعاف أي تغيير فعليّ. ولكن على الرغم من هذا الطريق المسدود، نؤمن أنّ الأجوبة لا ينبغي أن تُستحضر من الخارج؛ فلا بدّ أن تنبع قوى التغيير من الداخل، وأن تنبثق من الشعب الذي ينبغي أن يكون محور هذا المسعى. 

حرصًا منّا على الاستمرار في مهمتنا وتعزيزها من جهة حماية المصلحة العامة واحترام حقوق المواطنين، أنشأنا مع كلّ من هلا بجّاني وكريم ضاهر ومنى فوّاز ونزار صاغية، مبادرة سياسات الغد (The Policy Initiative- TPI)، وهي مؤسسة بحثية اتّخذت من بيروت مقرًا لها، تهدف إلى جعل السياسات العامة أقرب إلى الشعب. ونسعى مع هذا الفريق المتكامل إلى وضع سياسات بديلة تُشرك المواطنين وتصون مصالحهم. وينضوي دورنا على وجهَين: يتمثّل الأوّل بالتصدي لسياسات الطبقة الحاكمة، والتدقيق بها، والتأكّد من مساءلتها على المستوى الفكري؛ ويكمن الثاني في توفير بدائل سياساتية وتصوّر واقع سياسي واقتصادي جديد وأفضل. يرتكز عملنا البحثي على الأدلة والبراهين وتحليلها، وفيه نستعين بأدوات متعدّدة لفهم التغيّرات التي تطال مجتمعنا، والأهم أنه يسترشد دائمًا بقيم العدالة والإنصاف.

منذ تأسيس مبادرتنا رسميًا في شباط/فبراير 2021، قمنل بإطلاق ثماني مبادرات نعتبرها أولويات للمرحلة القادمة في البلاد، وهي: الانتقال إلى نموذج اقتصادي جديد، والنهوض بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وبناء دولة ذات مهمّة، والمناصرة لتمثيل عادل وللمحاسبة، واستخدام المساعدات الخارجية لمنفعة الصالح العام، بالإضافة إلى تنشيط التنمية المحلية الفعّالة، والاستثمار في الاستدامة البيئية، وتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي.  

وحاليًا، تتولّى مبادرة سياسات الغد قيادة مشاريع متعددة تجمع عدة مبادرات ذات صلة سأتحدّث عنها باقتضاب. 

* فيما اعتُبِر تغيير القانون الانتخابي والانتقال من نظام الأكثرية إلى التمثيل النسبي في العام 2017 إنجازًا، إلا أن العملية الانتخابية لا تزال عالقة في دوّامة من الممارسات المُجحِفة وغير الديمقراطية. لهذه الغاية، ونحن على مشارف الانتخابات البرلمانية، تقوم مبادرة سياسات الغد بتوثيق هذه الانتهاكات وتحليلها بغية المناصرة لاستقدام مجموعة من الإصلاحات قبل الانتخابات التالية، بما لا يقتصر على القانون فحسب، بل يشمل أيضًا تقسيم الدوائر والتمثيل، إلى جانب التحالفات الانتخابية ودور الإعلام والاستراتيجيات الانتخابية والتمويل وغيرها. 

* يشهد لبنان، منذ ثورة تشرين الأول/أكتوبر 2019، ازديادًا في عدد المجموعات السياسية الهادفة إلى التصدّي للنظام القائم، لكن لا تزال المعلومات بشأن تنوّع هذه المجموعات وتباينها قليلةً جدًا. لذلك، وبناءً على بيانات الدراسة الاستقصائية، عمدت مبادرة سياسات الغد إلى النظر إلى خمس عشرة من أهم المجموعات السياسية البديلة، وكشفت عن اختلافات بينها على مستوى هيكلياتها التنظيمية، والمواقف السياساتية، واستراتيجيات التغيير السياسي، والتحالفات. فبالإضافة إلى التقرير الذي يهدف إلى إفادة الرأي العام بالمعلومات الضرورية، أطلقت المبادرة لوحة معلومات (dashboard) تفاعلية لإتاحة البيانات للجميع، وتعتبر هذه البيانات مهمّة بالأخص للناخبين المهتمّين بالاطّلاع أكثر على هذه المجموعات. 

* بعد عامَين على بداية الأزمة المالية التي تُعَدّ من أسوأ الأزمات في التاريخ الحديث، لا نزال في انتظار الحكومة كي تنفّذ أبسط السياسات التي من شأنها وضع حدّ أو حتى إبطاء وتيرة الانهيار، وحماية المواطنين. لذلك، وبالإضافة إلى إعداد مجموعة من المقالات حول استجابة الدولة السيئة للأزمة، يقوم فريق عمل المبادرة بتوثيق تقاعس البرلمان والحكومة عن العمل، وكيفية قيام النخبة الحاكمة بتوكيل البنك المركزي مهمّة الاستجابة، مع ما خلّفه ذلك من آثار مدمّرة على المواطنين. وسوف نطلق قريبًا لوحة معلومات (dashboard) حيث تكون المعلومات متاحة للجميع، وفق تسلسل زمني ابتداءً من شهر آب/أغسطس 2019.


* على ضوء الارتفاع غير المسبوق لمستويات الفقر، باتت الحاجة ملحّة لإصلاح سياسات الحماية الاجتماعية في البلاد. من هنا، وبالتنسيق مع منظّمة العمل الدولية، تقوم مبادرة سياسات الغد بالمناصرة لنظام حماية اجتماعية قائم على الحقوق، نظام يحافظ على رأس المال البشري وينمّيه، وذلك من أجل إرساء الركائز الضرورية لعقدٍ اجتماعي جديد تكون فيه الحقوق مضمونة لا مُكتَسَبة من خلال الخضوع السياسي. ولهذا الغرض، إن المبادرة في صدد النظر في شوائب نظام الحماية الاجتماعية الراهن، ورصد التطورات في مشهدية السياسة الاجتماعية، والمناصرة لخطط مستدامة ودامجة قادرة على بناء الركائز المطلوبة لتغيير مجتمعي وسياسي مستدام. 

* نظرًا للتدهور الاقتصادي في لبنان وفشل الحكومة المركزية في الاستجابة للأزمة، من الضروري أن تضطلع الحكومات المحلية بدور محوريّ في التنمية الاقتصادية. ومع أنّ القانون قد أسند مسؤوليات واسعة للبلديات واتحادات البلديات، إلا أنها لم تستغلّ بعد دورها الاجتماعي والاقتصادي لتصبح عنصرًا فاعلًا للتنمية. لذلك، يلجأ فريق مبادرة سياسات الغد وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بالتعاون مع جمعيّة المدن المتحدة في لبنان (UCL) وفريق من الخبراء، إلى وسائل متنوّعة (بما فيها الدراسات الاستقصائية على مستوى السكان والشركات، ومجموعات المناقشة المركّزة والمقابلات) من أجل تقييم الحاجات والأولويات المحدّدة في ثلاث مناطق تابعة لاتحادات الفيحاء والمتن وصور. بذلك، نجحنا في تحديد مجالات التدخّل الرئيسية لتحقيق التنمية المناطقية والمحلية. 

* كَثُر التركيز على الأزمة المالية فيما قلّت المحادثات عن نوع الاقتصاد الذي ننوي بناءه مع اعتبار نقاط قوّة لبنان والتغيّرات الجيوسياسية والإقليمية، وعن كيفية ترتيب الأولويات على مستوى تحوّل القطاعات وإصلاح المؤسسات. تتولى مبادرة سياسات الغد قيادة مبادرة مع فريق من الخبراء الاقتصاديين والأخصائيين في علم السياسة والمحامين والمخطّطين الحضريين ورجال الأعمال، وذلك للتفكير في كيفية تطوير اقتصاد مُنتِج قادر على خلق فرص عمل لائقة، وتقليص اللّامساواة، وتحقيق النمو المستدام. وسنُطلق في الأسابيع المقبلة سلسلة من المناقشات حول رؤية واضحة للاقتصاد ما بعد الأزمة.

نعم، أجندتنا السياساتية تزخر بالمواضيع، في انعكاس واضح للمشاكل المتعددة التي تترصّد بنا، لكنّنا نؤمن إيمانًا راسخًا بالعمل التعاوني مع كيانات ومؤسسات تشبهنا تستطيع إعلاء الأصوات المُطالِبة بالعدالة الاجتماعية، وتُكمّل عملنا على مستوى السياسات في مختلف التخصصات. تعمل مبادرة سياسات الغد حاليًا مع مختبر المدن في بيروت (BUL) في الجامعة الأميركية في بيروت على دور الدعم الذي تقدّمه الجهات الفاعلة عقب انفجار مرفأ بيروت وطبيعة هذا الدعم. أضف إلى ذلك، نحن نعمل مع مبادرة الإصلاح العربي (ARI) لتقييم أثر جائحة كوفيد-19 على المجموعات المستضعَفة في كل من الأردن ومصر ولبنان وتونس. كما ونعمل مع المفكّرة القانونية على تشارك الموارد والبيانات والمعلومات بشأن أهداف ذات صلة لكلي المؤسستَين. بالإضافة إلى ذلك، أنشأت المبادرة مع مركز الدراسات اللبنانية (CLS) شراكةً مع IMPACT، وهي منصّة الحوكمة الإلكترونية في وكالة التفتيش المركزي، لمعرفة كيفية مشاركة البلديات في المنصّة من أجل توفير البيانات الضرورية لتقديم المساعدة لمن هم بحاجة إليها. 

عادةً ما تقوم المؤسسات البحثية بوضع السياسات لصالح الحكومات أو الأحزاب السياسية، إلا أن هدفنا لا يقتصر على ذلك فحسب؛ فإدراكًا منّا لسياقنا، نسعى إلى إنتاج المعرفة السياساتية، حتى يصبح المواطنون عامّة، كمختلف المنظمات المهنية، والنقابات، والاتحادات العمّالية، ورؤساء البلديات، والمسؤولين المحليين، والمجموعات السياسية الناشئة، قوّة تغيير مُطّلعة على الصعد السياساتية شتى. ونظرًا لتزايد أهمية دور المساعدات الدولية في البلاد، تسعى المبادرة أيضًا إلى إشراك المانحين كي يكونوا على دراية أكبر بالديناميكيات المختلفة عند اختيارهم لأولوياتهم في لبنان. 

لذلك، نحن نحرص على إشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين في الندوات عبر الإنترنت وورشات العمل والمؤتمرات التي نعقدها. فمنذ بضعة أشهر، نظّمت مبادرة سياسات الغد، بالتعاون مع جمعيّة المدن المتحدة في لبنان، سلسلة من ورش العمل مع رؤساء البلديات وأصحاب المصلحة في مناطق لبنانية متنوّعة، بهدف المشاركة في وضع استراتيجيات لتنمية الاقتصاد المحلي. كما واستضافت المبادرة سلسلة حوارات حول سياسة الأراضي في لبنان، بتنظيم من مختبر المدن في بيروت ومعهد لينكولن لسياسة الأراضي. جمعت هذه الحوارات مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى، وخبراء أراضٍ وأخصائيين في تنمية الراضي وناشطين، بغية وضع السياسات البديلة لإدارة الأراضي وتقييمها في لبنان. 

وإلى جانب نشر التقارير حول المجموعات السياسية الناشئة والسلوك الانتخابي للجالية اللبنانية، مع مقالات أسبوعية تتطرّق إلى مواضيع ذات صلة ومهمّة في الوقت الحالي، تسعى مبادرة سياسات الغد إلى توسيع نطاق جمهورها والوصول إلى شريحة أكبر من خلال إعداد الرسوم البيانية والفيديوهات. وفي هذا الإطار، قام فريقنا بإعداد مجموعة من الصور البيانية حول التحالفات الانتخابية التي تشكّلها الأحزاب السياسية الحاكمة والناشئة، وحول سمات وخصائص الناخبين في لبنان. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المبادرة حريصة بشكل خاص على إيجاد أدوات إعلامية بديلة تسمح بتشارك كل المواضيع المنوطة بالسياسات مع نطاق أوسع من المواطنين، لتصبح السياسات العامة بالتالي أقرب إلى الشعب. 

نحن نتطلع قدمًا لنخوض غمار هذه الرحلة يدًا بيد، ولنؤمّن لكم معلومات ومعارف دقيقة وموثوقة على مستوى السياسات، الواحدة تلو الأخرى. نأمل أن يشكّل عملنا مصدر إلهام لكل مواطن كي يصبح هو بنفسه عامل تغيير، فنتمكّن معًا من تصوّر رؤية سياسية واقتصادية بديلة للبنان. 
    

From the same author

view all

More periodicals

view all
Search
Back to top