The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
08.24.22

الإنفاق الاستنسابي في لبنان إرضاءً لموظفي القطاع العام

سينتيا صغير,
وسيم مكتبي

أدت الصدمات المتتالية والمتراكمة التي ضربت لبنان منذ صيف 2019 إلى تداعيات اجتماعية خطيرة. فقد انهارت مالية الدولة جرّاء الأزمة المالية وجائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، ما ألقى بـ 82% من السكان في هاوية فقر متعدد الأبعاد1. وبالرغم من هذه الظروف، تجنبت الطبقة الحاكمة وضع حد للأزمات عن طريق اعتماد تدخلات ممنهجة، مطيلةً بذلك عمدًا أمد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية2.


صعّبت هذه الصدمات غير المسبوقة على الدولة مهمة توزيع الإنفاق الحكومي. لحسن الحظ، يخوّل قانون المحاسبة العمومية في لبنان الحكومة ومجلس النواب، في ظلّ ظروف استثنائية، تحويل الأموال من احتياطي الموازنة، وفتح خطوط اعتماد مالية إضافية غير ملحوظة في موازنات الدولة السنوية3. وعلى عكس التحويلات المالية التي تتم بانتظام وفقًا للقاعدة الإثني عشرية بغياب قانون للموازنة4، يستوجب هذا الشكل من الإنفاق العام موافقة مجلس النواب و/أو الحكومة في كل حالة - ما يجعله استنسابيًا. وقد كان هذا الإنفاق الاستنسابي ملحوظًا إذ بلغت نسبته من نفقات الموازنة 37% في عام 2020 و16% في عام 2021.


يجري هذا المقال عملية تقييم لكيفية اختيار السياسيين تخصيصَ الإنفاق العام الاستثنائي منذ شهر آب 2019. وعلى وجه التحديد، يسعى هذا المقال لتقييم: (1) أولويات الدولة في الإنفاق؛ (2) إنفاق الدولة على الحماية الاجتماعية.  ولهذه الغاية، أخضعت مبادرة سياسات الغد القوانين المنشورة في الجريدة الرسمية بين آب 2019 وحزيران 2022 لمنهجيتي تصنيف. في الأولى، تم تصنيف التحويلات المالية المرصودة وفقًا لـ "تصنيف المصروفات بحسب وظائف الحكومة"5 الوارد في دليل إحصاءات مالية الحكومة الصادر عن صندوق النقد الدولي. وفي الثانية، تم فرز التحويلات المندرجة في فئة الحماية الاجتماعية بحسب ركائز الحماية الاجتماعية الخمس، وهي، الضمان الاجتماعي، والمساعدة الاجتماعية، والرعاية الاجتماعية، والتمكين المالي للوصول إلى الخدمات، والإشراك الاقتصادي، وتفعيل التوظيف6.

خلال تلك الفترة، بلغ الإنفاق الاستنسابي في لبنان 19.2 تريليون ليرة لبنانية وتوجّه معظمه نحو الحماية الاجتماعية (60%) والشؤون الاقتصادية (35%)7، تلتها الخدمات الحكومية العامة (5%) (الصورة 1).

 

 منذ بداية الأزمة المالية، وصلت قيمة الإنفاق الاستنسابي على الحماية الاجتماعية إلى 11.4 تريليون ليرة لبنانية. أظهر فرز المبلغ الإجمالي أن التوزيع تركز بشكل مفرط على الضمان الاجتماعي التشاركي (75%). أما المبلغ المتبقي فكان موجهًا نحو أنواع غير تشاركية من الحماية الاجتماعية، وتحديدًا المساعدة الاجتماعية (9%)، والقدرة المالية على الوصول إلى الخدمات (11%)، والإشراك الاقتصادي وتفعيل التوظيف (5%) (الصورة 2).

 

إضافة إلى ذلك، يظهر توزيع الإنفاق على الحماية الاجتماعية بحسب مجموعات المستفيدين أن أنماط إنفاق الدولة انحازت بشكل واضح نحو المستفيدين في القطاع العام (الصورة 3)، الذين حصلوا على ما يقارب الـ8.5 تريليون ليرة لبنانية (74%) على الرغم من أن نسبتهم لا تتجاوز خُمس القوى العاملة9. شملت هذه التقديمات مساهمات في الضمان الاجتماعي، منها مثلًا تعويضات نهاية الخدمة والمساهمات في تعاونية موظفي الدولة وتعاونيات الجيش والأمن العام، وأفراد الأجهزة العسكرية وموظفي الخدمة المدنية.

قُدّمت غالبية هذه المساهمات خلال الفترة الممتدة بين آب 2021، أي عقب رفع الدعم الحكومي، ونيسان 2022، قبل موسم الانتخابات. استهدفت هذه المساهمات العاملين في الإدارات الرسمية وكان الهدف منها تعزيز قوتهم الشرائية التي تراجعت جرّاء الهبوط الحاد في قيمة الليرة اللبنانية10.

 

 

في المقابل، تلقى سائر اللبنانيين خدمات وتقديمات مستهدفة حصرًا بقيمة 2.9 تريليون ليرة لبنانية11. أتت هذه التقديمات على شكل مساعدة اجتماعية (44%)، معظمها تحويلات نقدية إلى الأسر الأكثر فقرًا، والتمكين المالي للوصول إلى الخدمات (36%)، مثل تغطية رسوم الاستشفاء والتعليم، وتفعيل التوظيف (20%) عن طريق تقديم منح طارئة لمرة واحدة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وقروض ميسرة لقطاع الصناعة خلال جائحة كورونا12.

مع استمرار تدهور الظروف المعيشية، يعيد هذا المقال التأكيد على الحاجة لنظام حماية اجتماعية قائم على الحقوق وقادر على تحمّل الصدمات13. وبالتالي، تكتسب التوصيات السابقة بضرورة تحسين بنية المالية العامة لتمهيد الطريق أمام تقديم منافع أساسية دائمة ممولة من الضرائب، أهمية بالغة14. ومع دخول لبنان في النصف الثاني من السنة الثانية من دون قانون للموازنة، يسمح الإنفاق العام المجزّأ على الحماية الاجتماعية للطبقة السياسية الحاكمة باعتماد الاستنسابية في توزيع الإنفاق الاجتماعي على شرائح مختارة من المستفيدين. وإحدى الأكلاف المترتبة على غياب إطار مالي هي الانحياز المنهجي في تقديم الحماية الاجتماعية نحو شريحة معينة من السكان على حساب شرائح أخرى. تجلى ذلك في حالة لبنان بحصول موظفي القطاع العام على الحصة الأكبر والأوسع من تقديمات الحماية الاجتماعية15. وذلك إلى حين، فقد أدت الأزمة إلى تآكل رواتب الموظفين بالليرة اللبنانية.

يتوجه الكاتبان بالشكر إلى كل من سامي عطالله وسامي زغيب على ملاحظاتهما القيّمة، إضافة إلى باسل حسن للمساعدة التي قدمها على مستوى البحوث.

هذه النسخة مصححة بناءً على التصنيفات الخاضعة للمراجعة.


لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا). 2021. "الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان (2019 – 2021): واقع أليم وآفاق مبهمة"1

مكتبي، و. س. زغيب، و س. عطالله. تموز 2022. "أفقِر لتسود: كيف استجابت الدولة اللبنانية للأزمة المالية؟" مبادرة سياسات الغد2

قانون المحاسبة العمومية. المرسوم 14969/1963.3

وفقًا لقانون المحاسبة العمومية، يحق للحكومية، في حالة غياب قانون للموازنة، الإنفاق وجمع الإيرادات شهريًا على أساس القاعدة الاثني عشرية.4

صندوق النقد الدولي. دليل إحصاءات مالية الحكومة. الدليل عبارة عن نظام إحصاءات خاصة بالاقتصاد الكلي مصمم لدعم عمليات التحليل المالي. استعان فريق عمل مبادرة سياسات الغد بمنهجية "تصنيف المصروفات بحسب وظائف الحكومة" الواردة في الدليل بغرض تصنيف الإنفاق الاستنسابي التي تقوم به الحكومة اللبنانية5

وزارة المالية ومعهد باسل فليحان المالي. 2021. "الإنفاق على الحماية الاجتماعية في لبنان: تدقيق في نظم الحماية الاجتماعية الممولة من الدولة". اليونسيف ومنظمة العمل الدولية. تشرين الثاني 2020. "الحماية الاجتماعية في لبنان: ربط الاستجابة الفورية بالأولويات على المدى الطويل". منظمة العمل الدولية.6

ثلثا الإنفاق على الشؤون الاقتصادية انصب على تطوير مرفأ طرابلس بعد انفجار مرفأ بيروت.7

وزارة المالية ومعهد باسل فليحان المالي. 2021. "الإنفاق على الحماية الاجتماعية في لبنان: تدقيق في نظم الحماية الاجتماعية الممولة من الدولة"8

إدارة الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية. 2019. "مسح للظروف المعيشية للقوى العاملة والأسر في لبنان. 2018-2019"؛ ستاتيستا. 2021. "القطاع العام - لبنان"9.

جريدة الأخبار. شباط 2022. "عون يوقع مرسوم إعطاء مساعدة اجتماعية للقطاع العام"10

أظهر التحليل التنازلي حصرًا أنه لمؤسسة كهرباء لبنان المعروفة بسوء إدارتها فائدة عامة للسكان.11

أقرّ مجلس النواب اللبناني رزمة حوافز بقيمة 1.2 تريليون ليرة في حزيران 2020 خلال جائحة كورونا. تم تقسيم الرزمة بشكلٍ متساوٍ بين التحويلات النقدية للأسر الأكثر فقرًا والدعم المالي لشركات القطاع الخاص12

مكتبي، و. س. زغيب، ور. إغناطيوس. 2022. "النوايا وحدها لا تغني من جوع: على لبنان اعتماد استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية". مبادرة سياسات الغد13

اليونسيف ومنظمة العمل الدولية. 2022."الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية".14

 

From the same author

view all

More periodicals

view all
Search
Back to top