The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
10.21.22

كيف تفوز الأحزاب السياسية اللبنانية في الانتخابات؟

جورجيا داغر,
سامي عطا الله,
نجيب زغيب

لجأت الأحزاب السياسية اللبنانية إلى استراتيجيات انتخابية عدّة لكسب قلوب وعقول الناخبين. ونادرًا ما استندت هذه الاستراتيجيات إلى برامج وسياسات، بل استهدفت غالبًا مواجهة المنافسة والحد منها. 

من هذا المنطلق، راقبت مبادرة سياسات الغد سلوك الأحزاب السياسية والمرشحين على الأرض ورصدت أنشطتهم في الحملات الانتخابية في الفترة التي سبقت الانتخابات النيابية لعام 2022 لتحديد ما استخدموه من استراتيجيات من أجل ضمان فوزهم. وكان من الضروري مراقبة هذا السلوك، إذ قد تؤدي الاستراتيجيات الانتخابية في أحيانٍ كثيرة إلى التلاعب بحرية اختيار الناخبين وقدرة المرشّحين المنافسين على تنفيذ حملاتهم. وقد حددنا ثلاث استراتيجيات رئيسية: تقديم حوافز لجذب المؤيّدين، واستخدام المؤسسات العامة في الترويج للحملات الانتخابية، واللجوء إلى العنف وقمع الحملات للسيطرة 1على سلوك المرشّحين المنافسين

الكهرباء والمياه مقابل الأصوات
تظهر النتائج التي توصلنا إليها أن الأحزاب السياسية والمرشحين قدموا سلعًا وخدمات خاصة وجماعية طوال الأسابيع التي سبقت يوم الانتخابات لم تقتصر على الأفراد فحسب، بل شملت أيضًا أحياء بكاملها. وفي حين أن الأحزاب استخدمت غالبًا الأموال الخاصة، فقد عمد بعضها أيضًا إلى استغلال الموارد العامة لتحقيق مكاسب انتخابية.

في ظل شحّ الأدوية والوقود وزيادة أسعار المواد الغذائية وتكاليف الرعاية الصحية وارتفاع فواتير الكهرباء، ركّزت الأحزاب بشكلٍ كبير على تأمين هذه السلع والخدمات لناخبيها.

لم تكتفِ الأحزاب بتقديم التبرعات للأفراد، بل استغلّت أيضًا المؤسسات العامة لتأمين الخدمات العامة لمؤيديها. على سبيل المثال، في دائرة البقاع الثانية، مدد التيار الوطني الحر ساعات التغذية بالكهرباء في قرىً عدة. وفي دائرة الجنوب الثالثة، وقبل أيام فقط من الانتخابات، رفع حزب الله وحركة أمل من مستوى تزويد المناطق بالمياه في العديد من البلديات التي كانت تعاني من شحّ المياه. كذلك الأمر في دائرة الجنوب الأولى، حيث عمد التيار الوطني الحر إلى مدّ أحد الأحياء بالمياه، في حين دفعت الجماعة الإسلامية عن العائلات فواتير المياه غير المسددّة بين عامي 2019- عند اندلاع الأزمة المالية – و2022.

لم تشترِ الأحزاب الأصوات باستخدام الأموال النقدية فحسب بل شجعت ناخبيها أيضًا على التوجه إلى صناديق الاقتراع عبر تأمين وسائل النقل لهم، مثل إرسال السيارات الخاصة أو التبرع بالوقود. لم يستهدف المرشحون فقط الناخبين المقيمين في الدائرة التي يتنافسون فيها. ففي الجنوب الأولى، قام مرشحو القوات اللبنانية بتأمين وسائل النقل لمؤيديهم المقيمين في بيروت، وفي جبل لبنان الثانية، ابتاع حزبا الطاشناق والكتائب والمرشح ميشال المر تذاكر السفر للناخبين اللبنانيين المقيمين في الخارج. 

تؤدي هذه الحوافز إلى خلق بيئة غير عادلة، وتمر معظم هذه السلوكيات دون عقاب. وفي حين تحظر المادة 62 من قانون الانتخابات2 على الأحزاب والمرشحين تقديم الخدمات أو السلع أو دفع الأموال للناخبين خلال فترة الحملات الانتخابية، إلا أن القانون ترك ثغرة واحدة استغلتها الأحزاب السياسية، إذ يُسمح بالتبرعات إذا كان تقديمها قد بدأ قبل ثلاث سنوات من موعد الانتخابات. وبالنظر إلى أن للأحزاب اللبنانية جمعيات ومؤسسات خيرية وشبكات زبائنية راسخة، فإن المادة 26 تضفي الشرعية على السلوك الزبائني الساعي إلى تحقيق مكاسب انتخابية.

استغلال المؤسسات العامة 
استخدمت الأحزاب في الكثير من الأحيان الممتلكات أو المؤسسات العامة في حملاتها الانتخابية. واعتادت الأحزاب السياسية اللقاء بأعضاء المجالس البلدية والشخصيات الدينية في إطار فعاليات خاصة، مستغلةً المؤسسات العامة والدينية كأماكن لحملاتها في انتهاكٍ واضح للمادة 77 من قانون الانتخاب 3 التي تحظر استخدام المرافق العامة والمؤسسات والمدارس الحكومية وأماكن العبادة في المناسبات أو الحملات الانتخابية. كما يحظر القانون على الموظفين في القطاع العام وموظفي الخدمة المدنية الترويج لمرشح معيّن. مع ذلك، أيّد الكثير من هؤلاء علنًا بعض الأحزاب السياسية.

تكرّر مثل هذا السلوك بشكلٍ ملحوظ في دائرة الجنوب الأولى، ولا سيما من جانب التيار الوطني الحر، الذي حظي بتأييد العديد من رؤساء البلديات والشخصيات الدينية. وفي دائرة جبل لبنان الثالثة، نالت ثلاث لوائح تأييد ثلاثة رؤساء بلديات، وقد حصل الحزب التقدمي الاشتراكي أيضًا على تأييد علني من رئيس اتحاد بلديات المتن الشمالي.

أما بالنسبة إلى المؤسسات الدينية، ففي بيروت الثانية، أعلنت كل من الجماعة الإسلامية وجمعية الأحباش عن حملاتهما على منابر المساجد لأسابيع قبل الانتخابات. وفي البقاع الثالثة، قام كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بحملات لمرشحيهما في الكنائس، مستهدفين المجتمع المسيحي حصرًا.

وشملت السلوكيات الأخرى المخالفة لقانون الانتخاب استخدام الممتلكات البلدية أو العامة لتعليق اللوحات الإعلانية. وحصل ذلك تحديدًا في دائرة البقاع الثانية، حيث علقت جميع اللوائح، باستثناء واحدة، لوحاتها الإعلانية ضمن ممتلكات عامة.

تلك كانت بعض الأمثلة على انتهاكات المادة 77، وهي على سبيل الذكر لا الحصر. وستستمر المخالفات من قبل المرشحين والشخصيات العامة في ظل عدم فرض القانون وغياب أي تبعات قانونية على .انتهاكه

قمع للحملات الانتخابية وترهيب ومضايقة واعتداء على بعض المرشحين
سُجِّل نوعان من السلوك العنيف: قمع الحملات والاعتداء (الجسدي واللفظي) اللذان استهدفا بشكل عام المرشحين أكثر منه الناخبين

تجلّى القمع الذي طال الحملات في أغلب الأحيان من خلال تدمير اللوحات الإعلانية أو منع بعض المرشحين من تعليقها. هذا ومنعت أحزاب خصومها من استئجار مكاتب انتخابية أو عقد اجتماعات في الأماكن العامة، ورُصدت محاولاتٌ لحمل مرشحين على الانسحاب من السباق الانتخابي في دائرتي البقاع الثالثة وجبل لبنان الرابعة، وربما حصل مثلها في مناطق أخرى. في البقاع الثالثة، ضغط حزب الله على مرشح معارض للسلطة لدفعه إلى الانسحاب من السباق من خلال دفع تعويض مالي له، وفي جبل لبنان الرابعة، ضغط كل من الحزب الاشتراكي وحزب التوحيد على مرشحَيْن مستقلّيْن للانسحاب في الأسابيع القليلة الأخيرة التي سبقت الانتخابات

أما في ما يتعلق بالاعتداءات، فقد أُبلغنا عن حصول تدميرٍ في الممتلكات. إلا أن أغلب الحالات عمومًا كانت عبارة عن تهديدات أو مضايقات، فضلًا عن الترهيب العام للمرشحين. ففي البقاع الثالثة مثلًا، واجهت مرشحة معارضة للسلطة مضايقات من أسرتها التي أصدرت بيانًا أعلنت فيه أن المرشحة لا تمثل العائلة مجددةً ولاءها لحركة أمل. وفي جبل لبنان الرابعة، تعرضت مرشحة أخرى معارضة للسلطة  للمضايقة من قبل شخصية دينية بسبب آرائها في قوانين الأحوال الشخصية

نادرًا ما تتم معاقبة استخدام العنف، سواء كان اعتداء جسديًا أو مضايقة أو قمعًا أو تدميرًا للممتلكات. لا ينص القانون على آلية إبلاغ واضحة عن العنف المستخدم ضد المرشحين وأنصارهم. وإن إنشاء هكذا آلية سيسمح للضحايا بمحاسبة من اعتدوا عليهم، ومن شأنه أيضًا تمكين الناخبين من التصويت بحرية، من دون خوف من تهديدات أو ترهيب

خُلاصة
لا تقدم النتائج التي توصلنا إليها سوى عيّنة من الاستراتيجيات التي اعتمدتها الأحزاب السياسية خلال فترة الانتخابات، وهي تسلط الضوء على السلوكيات التي تعزز نشوء بيئة انتخابية غير ديمقراطية تفتقر إلى العدالة والمنافسة النزيهة. فقد استغلّت الأحزاب المؤسسات العامة لتحقيق مكاسب انتخابية وسخّرتها في تقديم الخدمات والترويج لحملاتها الانتخابية. تسلط هذه الممارسات الضوء على أوجه القصور التي تعتري قانون الانتخاب، وتبيّن بوضوح، أنه حتى مع وجود إجراءات قانونية تنص على فصل السباق الانتخابي عن المؤسسات العامة، فإن الأحزاب تتجاهلها في ظل عدم تطبيق القانون وضوابطه الذي يُعزى جزئيًا إلى ضعف قدرات هيئة الإشراف على الانتخابات وعدم استقلاليتها وافتقارها إلى السلطة القضائية

يبقى هذا السلوك مشكلةً مستدامة تتخطى الانتخابات وقانون الانتخاب، حيث استولت الأحزاب الطائفية على مفاصل الدولة واخترقت مؤسساتها العامة. ما من حل قصير الأمد أو مباشر لمعالجة هذا الخلل، لكن الخطوة الأولى قد تكون بتكثيف المراقبة المستمرة لسلوك الأحزاب على الأرض وفي المؤسسات العامة، وليس خلال فترة الانتخابات فحسب. سيؤدي ذلك على المدى الطويل إلى إصلاح الدولة، وتحقيق المساواة بين الناخبين، وجعل الزبائنية شيئًا من الماضي ودفع الأحزاب إلى الترشح للانتخابات على أساس البرامج

 


1 رصدت  مبادرة سياسات الغد الاستراتيجيات من خلال التعاون مع مجموعة من المراسلين المستقلين غير المنتمين إلى أحزاب سياسية في كل دائرة انتخابية. وتتبع المراسلون الأحداث وسلوكيات الأحزاب على الأرض لمدة ستة أسابيع، بدءًا من 1  نيسان ولغاية 14 أيار، أي قبل يوم من الانتخابات. أعدّ المراسلون تقارير أسبوعية تضمنت وصفًا للأحداث المختلفة. وبناءً على ذلك، صنفت مبادرة سياسات الغد السلوكيات إلى ثلاث فئات رئيسية: (1) تقديم السلع والخدمات، (2) الإعلان عن الحملات الانتخابية، و(3) استخدام العنف. وتم تقسيم كل فئة إلى فئات فرعية، فقسّمت الفئة الأولى بحسب نوع السلعة أو الخدمة وكذلك القطاع الذي تندرج ضمنه (مثلًا، الكهرباء والماء والمساعدات الغذائية والرعاية الصحية والأموال النقدية). في ما خص الفئة الثانية، ركّزت المبادرة على تحديد ما إذا كان المرشحون يستخدمون المؤسسات العامة أو الدينية للترويج لحملاتهم، وما إذا كانوا قد التقوا بشخصيات عامة أو دينية. أما الفئة الثالثة، فشملت قمع الحملات والاعتداءات على المنافسين. ينطوي قمع الحملات على منع المرشح المنافس من الترويج لحملته من خلال عرض اللوحات الإعلانية أو استخدام مساحة عامة أو خاصة. ويشمل الاعتداء استخدام العنف الجسدي والتهديد والترهيب والمضايقة.

2   المادة 62 من القانون 44/2017 الصادر في 17 حزيران 2017 بشأن انتخاب أعضاء مجلس النواب

3   المادة 77 من القانون 44/2017 الصادر في 17 حزيران 2017 بشأن انتخاب أعضاء مجلس النواب


From the same author

view all

More periodicals

view all
Search
Back to top