يضمّ لبنان عدداً من البلديات هو من بين الأكبر في العالم نسبةً إلى عدد المواطنين. وعلى الرغم من صغر حجم البلديات، من ناحية مساحاتها الجغرافية وعدد مواطنيها، تترتّب عليها طائفةٌ واسعةٌ من المسؤوليات المرتبطة بتوفير الخدمات، من إدارة النفايات وصولاً إلى إدارة البنى التحتية. لذا، ارتأت بلديات عدّة، بهدف تسهيل تنسيق المشاريع المشتركة في ما بينها، تشكيلَ اتحادات بلديات تتمتّع بماليّتها الخاصة، ورؤساء مُنتخَبين، ولجان خاصة بها. ويضمّ لبنان اليوم 60 اتحاد بلديات، يتراوح عدد الأعضاء فيها من عضوَين إلى أكثر من 60 عضواً.

وبما أن اتحادات البلديات تسهّل التنسيق والتواصل بين مختلف البلديات، يمكنها أن تكون شبكاتٍ تؤثّر في نوعية الحوكمة في كلّ بلديةٍ من البلديات الأعضاء فيها. وتقدّم استجابةُ اتحادات البلديات لجائحة كوفيد-19 خيرَ مثالٍ توضيحيّ على أثر التعاون بين البلديات على إدارة الأزمات، إذ شكّلت الاتحادات هياكل تنسيقية، على غرار خلايا الأزمات، وحدّدت معاً المراكز المناسبة للحجر الصحي. وتتولّى اتحادات البلديات مهمّة تيسير عملية التفاعل وتبادل المعارف المتكرّرة بين البلديات، ما يسمح لها بالتحكّم بعملية التنسيق التقني، وإنما أيضاً بالتأثير على آراء البلديات الأعضاء في الشؤون اليومية والمسائل السياسية.

تُعَدّ الشفافية جزءاً مهمّاً في عملية الحوكمة، بما أنها تسمح للمواطنين بمحاسبة سلطاتهم المحلية المُنتخَبة. وقد تحقّقنا مما إذا كان لشبكات اتحادات البلديات تأثير على مستوى شفافية البلديات، ووجدنا بالفعل أن العضوية في اتحاد بلدياتٍ تؤثّر في شفافية البلدية أكثر من أيّ عامل آخر.

تأثير اتحادات البلديات على درجات الشفافية
سعياً إلى فهم العوامل التي تحثّ على الشفافية، نظرنا في دور اتحادات البلديات، وفي ما إذا كانت البلديات المنتسبة إلى اتحاداتٍ تتمتّع بقدرٍ أكبر أو أقلّ من الشفافية. وقد ركّزنا على مؤشّر الشفافية المؤسّسية (ITI)، وهو مؤشّر مستحدث لقياس مدى استخدام البلديات منصّة البلديات المشتركة للتقييم والتنسيق والمتابعة IMPACT لنشر المعلومات حول مسائل الحوكمة والتنمية. واستخدمنا لهذا الغرض التحليلات الإحصائية من أجل الأخذ في الاعتبار كل التفسيرات المحتملة لشفافية البلديات. ¹ على سبيل المثال، يمكن أن يُعزى التحلّي بقدرٍ أكبر من الشفافية إلى قدرة البلديات الأكبر حجماً أو الأغنى على نشر البيانات، أو إلى الطلب الأكبر على البيانات من مواطنيها الذين عددهم أكبر. ويمكن أن يُعزى ذلك أيضاً إلى أن البلديات قد تكون انضمّت إلى الاتحادات بهدف نشر المزيد من المعلومات في ما بينها. وقد اعتمدنا على مجموعة من البيانات المختلفة، من إيرادات البلدية، أو عدد سكانها، أو التنمية الاقتصادية فيها، من أجل النظر في كلّ تلك الآثار الأخرى.

وبينما وجدنا أن البلديات المنتسبة وتلك غير المنتسبة إلى اتحادات تتمتّع بمستوى مماثل من الشفافية، لاحظنا أن البلديات ضمن الاتحاد الواحد غالباً ما تسجّل درجات شفافية مماثلة. في الواقع، قد تسجّل البلديات المنتسبة إلى الاتحاد الواحد درجات عالية جداً (على غرار اتحاد بلديات الكورة، حيث بلغ متوسّط درجة الشفافية 11،1، ووصل الانحراف المعياري إلى 1،8)، أو منخفضة جداً (على غرار اتحاد بلديات غرب بعلبك، حيث بلغ متوسّط درجة الشفافية 5،6، ووصل الانحراف المعياري إلى 2،0). فالتباين في الدرجات ضمن البلديات كلّها أكبر بكثير (انحراف معياري بمقدار 2،8) منه في اتحادات البلديات (انحراف معياري بمقدار 2،3)، ما يعني أن البلديات المنتسبة إلى الاتحاد الواحد غالباً ما تسجّل درجات مماثلة. وتسجّل البلديات غير المنتسبة إلى اتحاد، والبالغ عددها 227، تبايناً أكبر من الاختلاف المُسجَّل في العيّنة الكاملة للبلديات كافّة (انحراف معياري بمقدار 2،9).

تشير هذه النتائج إلى أن تأثير الشبكات على مستوى اتحادات البلديات يطال الطريقة التي تقرّر بها البلديات نشر المعلومات والتحلّي بشفافية. كما تُبيّن أن اتحادات البلديات لا تضطّلع بدور التنسيق التقني فحسب، بل يبدو أيضاً أنها تؤثّر في آراء البلديات الأعضاء ومعاييرها الخاصة بالشفافية، وتعزّزها، وذلك عبر التفاعلات المتكرّرة، ما يؤدّي إلى تسجيل البلديات درجات شفافيةٍ مماثلة في أغلب الأحيان. بهذه الطريقة، تؤثّر اتحادات البلديات في طريقة تفاعل البلديات مع التفتيش المركزي، ومنصّة IMPACT، ومواطنيها. وعليه، ينبغي ألا تَنصَبّ الجهودُ المحلية والدولية الرامية إلى النهوض بالشفافية والحوكمة في البلديات على المستوى البلدي فقط، بل يجب أن تطال اتحادات البلديات أيضاً، لتسخير الشبكات والتنسيق لصالحها.