The Policy Initiative

  • eng
    • share
  • subscribe to our mailing list
    By subscribing to our mailing list you will be kept in the know of all our projects, activities and resources
    Thank you for subscribing to our mailing list.
05.21.22

الانتخابات النيابية اللبنانية: كيف فازت المُعارَضة؟

سامي عطا الله

في 15 أيّار 2022، نظّم لبنان الانتخابات النيابية الأولى بعد انتفاضة ١٧ تشرين 2019. وبينما أنفقت الأحزاب السياسية الأموال على حملاتها بطريقة جنونية، بذلت المجموعات المُعارِضة للمنظومة السياسية قُصارى جهدها لتكوين تحالفات انتخابية. وعلى الرغم من الظروف اللوجستية الصعبة التي انعقدت في ظلّها الانتخابات، يمكن استخلاص ثلاث مكتسبات أساسية ألا وهي: أولًا، حافظ حزب الله على مقاعده البالغ عددها 13 مقعدًا في مجلس النواب، ومع ذلك خسر حلفاؤه ولاسيّما حركة أمل، والتيّار الوطني الحرّ، والحزب الديمقراطي اللبناني بضعة مقاعد. وثانيًا، تمكّن حزب القوّات اللبنانية من الفوز بأربعة مقاعد إضافية ما سيسمح له بمزاحمة خصمه المسيحي التيّار الوطنيّ الحرّ على زعامة الساحة المسيحية. وأخيرًا، كان أداء قِوى المعارَضة جيدًا بشكل مفاجئ، إذ فازت بثلاثة عشر مقعدًا وتمكّنت من الدفع بالكثير من النواب المنتهية ولايتهم خارج السلطة. وبينما كان جليًا أنّ نتائج الانتخابات عكست استياء الشعب اللبناني من الحرس القديم، إلّا أنّ التنافس ما بين أعضاء النخبة الحاكمة حمى قِوى المُعارَضة من التبعات الوخيمة المحتملة الناجمة عن انقسامها، وسمح بإيصال عددٍ مهمّ من مرشّحيها إلى خطّ النهاية.

ويبدو أنّ النتيجتين الأساسيّين اللذين تمخضت عنهما الانتخابات قد يُدخلان البلد في حالةٍ من الشلل السياسي ولن يُحدثا على الأرجح أي تغيير إيجابي في المسائل الاقتصادية والاجتماعية. وعلى الرّغم من أنّ النتيجة الثالثة تبدو ظاهريًا مبعثةً للأمل، إلّا أنّ قدرة قوى المُعارَضة على توحيد صفوفها وتشكيل جبهةٍ موحدة هو أمرٌ مشكوكٌ فيه، كما أنّ مواقفها السياسية المُتفاوتة لا تُنبئ بمستقبلٍ أكثر تفاؤلاً.

لنبدأ إذًا بمعسكر حزب الله؛ فقد احتفظ الحزب بمقاعده وضَمَن لمرشحيه عددًا أكبر من الأصوات مقارنة مع انتخابات العام 2018. ولكنّ هذا الواقع لا يسري على حلفاء حزب الله، إذ خسرت حركة أمل، برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، مقعدَين. كما خسر التيّار الوطنيّ الحرّ، حزب الرئيس ميشال عون ثلاثة مقاعد. وخسر حزب المردة، برئاسة سليمان فرنجية المرشّح للرئاسة، مقعدَين. وفقد رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان مقعده في عاليه. وخسرت شخصيات سياسية رئيسية أخرى مقعدها على غرار نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، وفيصل كرامي المتحدّر من عائلة سياسية راسخة، وأسعد حردان من الحزب السوري القومي الاجتماعي. وعلى الرغم من فوز جميل السيد المقرّب من بشار الأسد الذي ترشح على لائحة حزب الله، إلا أنّه حصل في هذه الانتخابات على عدد أصواتٍ أقلّ بكثير من تلك التي حصدها في العام 2018.

قد تُعزا هذه النتيجة أولاً إلى عجز حزب الله عن تخطّي استياء ناخبيه من حلفائه ودعمه لهم وثانياً إلى سببٍ مرجّح أكثر ألا وهو اتّخاذ الحزب قرارًا يقضي بقصقصة جناحَي المعسكر الموالي لسوريا في تحالف 8 آذار بهدف الحدّ من مناوراته في الشؤون الداخلية تحسبًا لأي تطوّر على الصعيد الإقليمي بين سوريا ودول الخليج. وقد يبدو هذا مخالفًا لكلّ التوقّعات، إلا أنّ الحزب لا يحتاج على وجه الخصوص إلى الأكثرية في المجلس النيابي للحفاظ على هيمنته، فهو بفضل الوضع الحالي لسلاحه، فرض واقعًا معروفًا لا مفرّ منه سمح له بأن يكون فوق مؤسسات الدولة كافةً. وللمفارقة، استخدم كلّ من حزب الله وخصومه هذا السلاح لتعبئة الناخبين سعيًا منهم لتحقيق أهدافهم الانتخابية.

أمّا بالنسبة للقوّات اللبنانية، فتمكّنت من الفوز بأربعة مقاعد إضافية، وأصبحت بالتالي أكبر كتلة نيابية مع 18 مقعدًا من أصل 128 مقعدًا. كما أنّ شعبيّة حزب القوات قد ارتفعت بنسبة 18% كزيادة بعدد الأصوات مقارنة مع العام 2018، وتمكّن من تعزيز انتشاره الجغرافي إذ امتدّت رقعة تواجده إلى جزين في الجنوب، فانتزع مقعدًا نيابيًا من خصمه التيار الوطني الحرّ. وبدون شكّ سيكون لهذا النجاح أثرًا على الانتخابات الرئاسية إذ يمكن لحزب القوّات اللبنانية أن يدّعي كما هو متوقّع، أنّه الممثل الشرعي للمسيحيين. وفضلًا عن خسارة التيّار الوطنيّ الحرّ لبعض المقاعد النيابية والأصوات، يبدو أنّ الحزب يعاني من نزاعات داخلية بين الأعضاء الموالين لرئيس الحزب جبران باسيل، والآخرين المُعارضين له.

ولكنْ، لا أهمية لما سيسفر عنه هذا التنافس بين الحزبَين إذ لا يزال كلّ من حزب القوّات اللبنانية والتيّار الوطنيّ الحرّ إلى حدٍّ كبير، جزءًا من المنظومة السياسية الحالية ومُكوِّنين للوضع الراهن. وعلى الرّغم من أنّ حزب القّوات اللبنانية قد ناهض بشدّة في حملاته الانتخابية سلاح حزب الله، إلّا أنّ برنامجه الاجتماعي والاقتصادي في نهاية المطاف لا يختلف كثيرًا عن برنامج خصمه التيّار الوطنيّ الحرّ والأحزاب الحاكمة الأخرى؛ وكمثالٍ ملموسٍ على ذلك، يُذكر أنّ حزب القّوات اللبنانية شارك في لجنة تقصّي الحقائق النيابية (التي ضمّت أيضًا أعضاءً من التيّار الوطنيّ الحرّ وحزب الله وحركة أمل وتيّار المستقبل والحزب التقدّمي الاشتراكي وحركة الاستقلال اللبنانية وتيّار عزم) التي عرقلت خطة دياب للإنعاش الاقتصادي التي كانت كفيلةً بحماية أموال المودعين لو تمّ تنفيذها. وجاءت تبعات العرقلة هذه وخيمةً على المجتمع برمّته إذ أدّت إلى مستويات غير مسبوقة من الفقر والهجرة. وصوّت حزب القّوات مثل التيّار الوطني الحرّ على تمديد ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الرجل المسؤول عن تحويل اقتصاد لبنان إلى شيءٍ شبيهٍ بمخطّط بونزي.

وبغض النظر عن ذلك، حقّقت القِوى المعادية للمنظومة الحالية الربح الأكبر. وعلى الرغم من مشاركتها في الانتخابات لمنافسة الأحزاب الحاكمة، إلّا أنّها تنافست أيضًا ضد بعضها في 11 دائرة انتخابية ولم تنجح في التحالف إلا في أربعة دوائر (ألا وهي الجنوب الثانية، والجنوب الثالثة، والشمال الثالثة، وجبل لبنان الثانية). ومع ذلك، فازت بثلاثة عشر مقعدًا في سبع من الدوائر الخمس عشرة؛ فحصلت على مقعدين في بيروت الأولى، وثلاثة مقاعد في بيروت الثانية، وثلاثة مقاعد في جبل لبنان الرابعة، ومقعد في الجنوب الأولى، مقعدين في الجنوب الثالثة، ومقعد في الشمال الثانية، ومقعد أيضًا في الشمال الثالثة. وقد انتزَعت قوى المُعارَضة تلك المقاعد من ستة أحزاب سياسية هي المردة والتيّار الوطني الحرّ وتيّار المستقبل والحزب الديمقراطي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي وحركة أمل. 

لا يقتصر هذا الفوز على أولئك الذين فازوا بالمقاعد فحسب. فكانت للحملة التي قادها جاد غصن في المتن، في مواجهة الأحزاب الحاكِمة والزعماء التقليديين، أهميتها الخاصة أيضًا. على الرغم من أنّ غصن لم يفز في نهاية المطاف بمقعد نيابي، إذ خسر بفارق 88 صوتًا، ترك برنامجه الاجتماعي والاقتصادي صدًى إيجابيًا بين الناخبين وحصد له 8526 صوتًا تفضيليًّا، متقدّمًا بذلك، من حيث عدد الأصوات، على عضو التيّار الوطنيّ الحرّ إبراهيم كنعان (الذي أحرز 5513 صوتًا)، ولم يتخلّف كثيرًا عن الأصوات التي نالها رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل (10486 صوتًا) في منطقة تُعتبَر معقلَ حزبه.

في نهاية المطاف، استفادت المعارَضة على نحو كبير من التنافس بين أعضاء النخبة الحاكِمة. فكان من شأن انسحاب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري من المنافسة في مرحلة مبكرة الدفع بخصومه التقليديين من خارج حزبه ومن داخله أيضًا على محاولة الاستئثار بتلك الأصوات، لكنّ محاولاتهم باءت بالفشل إجمالًا. فؤاد المخزومي، الذي أمل الفوز بمقاعد إضافية في دائرة بيروت الثانية التي تضمّ 11 مقعدًا، حافظ بالكاد على أعداد الأصوات التي حقّقها في الانتخابات السابقة، على الرغم من الأموال التي أنفقها على حملته. أما فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء السابق وأحد منافسي الحريري من داخل تيار المستقبل، فلم ينجح هو الآخر بكسب أيّ مقاعد للائحة التي دعمها. ومن التحليلات المحتمَلة لذلك أنّ الحريري اختار أنّ يوجِّه الأصوات إلى قوى المعارَضة، ساعيًا إلى منع منافسيه المباشرين من إحراز التقدّم، على الأقل إلى حين استئنافه العمل السياسي.

واستفادت على الأرجح قوى المعارَضة في الشوف-عاليه (دائرة جبل لبنان الرابعة) من الخصومة بين الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ومنافسه التقليدي طلال أرسلان. في حين أنّ جنبلاط اعتاد أن يفسح مجالًا لأرسلان، اختار هذه المرة أن يستبعده ليتيح لابنه تيمور فرصةَ النضوج سياسيًّا وتولّي زمام الحزب. فأتى موقفه متوافقًا مع موقف حزب الله، حيث إنّ كلاهما سعى إلى إقصاء طلال أرسلان ووئام وهّاب (المواليَين للنظام السوري) من مجلس النواب.

باختصار، يتكوّن مجلس نوابنا الجديد من ثلاثة كتل؛ تضمّ الكتلة الأولى الأحزاب السياسية التقليدية التي تستأثر بمجموع 100 مقعد موزَّع على الشكل التالي: 18 لحزب القوّات اللبنانية، و17 للتيّار الوطنيّ الحرّ، و14 لحركة أمل، و13 لحزب الله، و8 للحزب التقدمي الاشتراكي، و30 لغيرها من الأحزاب الصغيرة وحلفائها الأفراد. وتتشكّل الكتلة الثانية من قوى المعارَضة التقليدية، والمؤلَّفة من 15 عضوًا: 4 من حزب الكتائب، و8 نواب مستقلّين، و3 من أحزاب أصغر حجمًا. أما الثالثة فهي طبعًا الكتلة المعارِضة للمنظومة السياسية، مع 13 مقعدًا.

ستواجه القوى المعارِضة للمنظومة السياسية عمّا قريب ثلاثة تحديات أساسية، يكمن الأوّل في انتخاب رئيس مجلس النواب وتعيين رئيس مجلس الوزراء؛ أمّا التحدّي الثاني فيتمثّل بوضع جدول أعمال يضغط لإقرار قوانين لمواجهة الأزمتَين الاقتصادية والاجتماعية في لبنان. والتحدّي الأخير هو ضمان الرقابة العامة على الحكومة وغيرها من الجهات الرسمية وبدء التحقيق في انفجار مرفأ بيروت .

إن قدرة تفعيل السلطة المنوطة بمجلس النواب مشروطة بقيام القوى المعارِضة للمنظومة بوضع رؤية واضحة وموحَّدة لولايتها الممتدّة على أربعة أعوام؛ وهذه بالفعل لمسؤولية كبيرة ستُرمى عل عاتق قوى المعارضة، إذ في حال فشلت، ما من شكّ أنّ العواقب ستكون وخيمة. 

 


From the same author

view all

More periodicals

view all
Search
Back to top